للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

: وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْحُرِّيَّةُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَبْدًا، وَلَا مُدَبَّرًا، وَلَا مُكَاتَبًا، وَلَا مَنْ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ، وَإِنْ قَلَّ، فَإِنْ قُلِّدَ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاطِلَةً، وَحُكْمُهُ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَالِيًّا، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا.

وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ قَضَاءَ الْعَبْدِ، لِجَوَازِ فُتْيَاهُ، وَرِوَايَتِهِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَوْ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَيًّا لَمَا يُخَالِجُنِي فِي تَقْلِيدِهِ شَكٌّ.

وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْلًى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَالِيًا

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا وَرَاوِيًا.

فَأَمَّا أَمْرُ سَالِمٍ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ مَوْلَى عِتَاقَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي الرِّقِّ وَتَقْلِيدُ الْمُعْتَقِ جَائِزٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي مَدْحِ سَالِمٍ.

وَقَدْ عَيَّنَ الْإِمَامَةَ فِي أَهْلِ الشُّورَى. وَبِالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إِمَامًا عَلَى الْأُمَّةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشِيرَ بِهَا إليه.

(فَصْلٌ)

: وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ قَاضِيًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا عَلَى أَهْلِ دِينِهِ.

وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْلِيدَهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، وَأَنْفَذَ أَحْكَامَهُ وَقَبِلَ قَوْلَهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، كَمَا جَوَّزَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْجَارِي فِي تَقْلِيدِهِمْ.

وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: ٥١] .

وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ وِلَايَتُهُمْ فِي الْمَنَاكِحِ جَازَتْ فِي الْأَحْكَامِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَنُفُوذُ الْأَحْكَامِ يَنْفِي الصَّغَارَ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ " فَمَنَعَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ وِلَايَةٌ لغير مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>