للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَالَّذِي فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحُكْمَ فَجَارَ عَنْهُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْعَامِّيِّ فِي الْوَعِيدِ لِأَنَّهُ قَضَى عَلَى جَهْلٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اسْتَفْتَى لَمْ يَقْضِ عَلَى جَهْلٍ وَإِنَّمَا يَقْضِي بِعِلْمٍ. فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَضَى بِعِلْمٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَاهِلٌ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْجَوَابَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا بِجَهْلٍ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا كَالْفَاسِقِ.

ثُمَّ الْحُكْمُ أَغْلَظُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مُلْزِمٌ وَالْمُفْتِيَ غَيْرُ مُلْزِمٍ.

وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، كَغَيْرِ الْمُسْتَفْتِي.

وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَلْتَزِمُهُ غَيْرُ مُلْزِمِهِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْفَتَاوَى.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْعَامِّيِّ الْمُسْتَفْتِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَامِّيَّ مُضْطَرٌّ وَالْحَاكِمَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَامِّيَّ يَلْتَزِمُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْحَاكِمَ يُوجِبُهُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالشَّهَادَةِ كَالْعَالِمِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا رُوعِيَ فِي الشَّهَادَةِ آلَتُهَا: وَهُوَ فِي التَّحَمُّلِ الْعَقْلُ وَالْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَفِي الْأَدَاءِ الْعَقْلُ وَاللِّسَانُ، وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى فِي الْحُكْمِ آلَتُهُ: وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ لَنَا دَلِيلًا.

وَالثَّانِي: فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنَّ الْعَالِمَ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفْتِيَ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ، وَالْعَامِّيُّ لَمْ يجز أن يفتي لم يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَالتَّقْوِيمِ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُنَصَّبْ لَهُ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِينَ وَالْمُقَوِّمِينَ دَلِيلٌ فَجَازَ لَهُ تَقْلِيدُهُمْ وَقَدْ نُصِّبَ لَهُ عَلَى الْأَحْكَامِ دَلِيلٌ فَلَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ فِيهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمِ الْمُفْتِيَ مَعْرِفَةُ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَالتَّقْوِيمِ لَمْ يَلْزَمِ الْحَاكِمَ وَلَمَّا لَزِمَ الْمُفْتِيَ مَعْرِفَةُ طَرِيقِ الْأَحْكَامِ لَزِمَ الْحَاكِمَ.

(فَصْلٌ)

: وَالشَّرْطُ السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ الْأَرْبَعَةِ.

فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْدِلُ عَنْ بَعْضِهَا وَيَعْتَقِدُ إِبْطَالَ شَيْءٍ منها نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>