للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِقَوْمٍ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَجَاءَ قَوْمٌ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ يَنْوُونَ الْعَصْرَ أَجْزَأَتْهُمُ الصَّلَاةُ جَمِيعًا وَقَدْ أَدَّى كُلٌّ فَرْضَهُ وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ وَقَدْ كَانَ عَطَاءٌ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ الْقُنُوتَ ثُمَّ يَعْتَدُّ بِهَا مِنَ الْعَتَمَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَبَنَى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْعَتَمَةِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَإِذَا جَازَ أَنْ يَأْتَمَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً فَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً وَفَرِيضَةً وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِلْمُتَنَفِّلِ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْمُفْتَرِضِ، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ، فِي فَرْضَيْنِ مِثْلَيْنِ، أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، مِثْلُ الظُّهْرِ خَلْفَ الْعَصْرِ، أَوِ الْعَصْرُ خَلْفَ الظُّهْرِ، وَهَذَا أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالزُّهْرِيِّ وَشُعْبَةَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِحَالٍ لَا فِي فَرْضٍ وَلَا فِي نَفْلٍ، فَلَا يَأْتَمُّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَلَا الْمُتَنَفِّلُ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَا الْمُفْتَرِضُ بالمقترض فِي فَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، حَتَّى يَكُونَا مِثْلَيْنِ، فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَهَذَا أَضْيَقُ الْمَذَاهِبِ

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُتَنَفِّلُ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَلَا الْمُفْتَرِضُ بِالْمُفْتَرِضِ فِي فَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مُفْتَرِضٍ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ مِنَ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى تَبَايُنِ مَذَاهِبِهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " فَكَانَ أَمْرُهُ بالإتمام عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ أَفْعَالِهِ أَوْ خَفِيَ مِنْ نِيَّتِهِ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ " وَفِي اخْتِلَافِ النِّيَّةِ اخْتِلَافُ الْقُلُوبِ، قَالُوا وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ الِاقْتِدَاءُ فِيهَا بِالْإِمَامِ كَالْمُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْمُصَلِّي الظُّهْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>