للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُظَاهِرِ: " وَإِذَا مُنِعَ الْجِمَاعَ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُمْنَعَ الْقُبَلَ وَالتَّلَذُّذَ " وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: " رَأَيْتُ أَنْ يُمْنَعَ " يُرِيدُ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ، فَإِنْ حَمَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ كَانَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي تَأْوِيلِ لَفْظِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " رَأَيْتُ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِيجَابِ، وَلَا يَمْتَنِعَ وُجُودُ مِثْلِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيهِ اعْتِرَاضٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ حَالِهِ، كَالصَّدَاقِ إِذَا ذُكِرَ فِي السِّرِّ مِقْدَارًا وَذُكِرَ فِي الْعَلَانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْهُ، قَالَ فِي مَوْضِعٍ: الصَّدَاقُ صَدَاقُ السِّرِّ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: " الصَّدَاقُ صَدَاقُ الْعَلَانِيَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ لِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِيهِ، وَلَكِنْ لِاخْتِلَافِ حَالِ الصَّدَاقَيْنِ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِصَدَاقِ السِّرِّ عَقْدٌ فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَيَكُونُ صَدَاقُ الْعَلَانِيَةِ مُجْمَلًا وَإِنِ اقْتَرَنَ الْعَقْدُ بِصَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ وَكَانَ صَدَاقُ السِّرِّ مَوْعِدًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَبَانَ ذَلِكَ.

قِيلَ: قَدْ أَبَانَهُ بِمَا قَرَّرَهُ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ: فَاخْتِلَافُ الْقِرَاءَةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] . أَوْ " لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ " فَلَامَسْتُمْ يوجب الوضوء على اللامس والملموس وَلَمَسْتُمْ يُوجِبُهُ عَلَى اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ كَالْمَرْوِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في باين الْمَوَاقِيتِ " أَنَّهُ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي حِينَ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ ".

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: " حِينَ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ ". فَلِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالرِّوَايَةِ مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ إِنْكَارٌ فِيهِ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّلِيلِ أَوْجَبَ اخْتِلَافَ الْمَدْلُولِ.

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى ظَاهِرٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بَلَغَتْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ نَقَلَتْهُ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى قَوْلٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِيَامِ التَّمَتُّعِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] . فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ وَأَوْجَبَ صِيَامَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهَا الظَّاهِرُ مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ ثُمَّ رُوِيَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ نَهَى عَنْ صِيَامِهَا ". فَعَدَلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَمَّا عَمِلَ بِهِ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَأَوْجَبَ صِيَامَهَا، بَعْدَ إِحْرَامِهِ وَقَبْلَ عَرَفَةَ، اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَلَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْعُدُولِ، لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي الْحَالَيْنِ بِدَلِيلٍ.

وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا فِي حَالٍ ثُمَّ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ. قَدْ فَعَلَهُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ فَأَسْقَطَهُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ وَأَشْرَكَهُمْ مَعَهُ فِي آخِرِ قَوْلِهِ، وَحَكَمَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>