للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ فَأَشْهَرُ الْحَدِيثَيْنِ هَذَا وَهُوَ الْمُتَدَاوَلُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " وَالْحَدِيثُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " اخْتَصَمَ إِلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجُلَانِ وَأَنَا جَالِسٌ فَقَالَ يَا عَمْرُو اقْضِ بَيْنَهُمَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنْتَ شَاهِدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ عَلَى مَاذَا؟ قَالَ عَلَى أَنَّكَ إِذَا أَصَبْتَ فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ فَأَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ.

فَاخْتَلَفَ أَجْرُ الْمُصِيبِ فِي الْخَبَرَيْنِ فَجَعَلَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ أَجْرَيْنِ وَجَعَلَ لَهُ فِي الثَّانِي عَشْرًا.

وَفِي هَذَا الِاخْتِلَافِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَجْرَيْنِ إِذَا وَصَلَ إِلَى الصَّوَابِ بِأَوَّلِ اجْتِهَادٍ وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ بِتَكْرَارِ الِاجْتِهَادِ لِيَكُونَ أَجْرُهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ اجْتِهَادِهِ وَكَثْرَتِهِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ أُجِرَ بِالْعَشْرِ لِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَأُجِرَ فِي الْآخَرِ بِأَجْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُضَاعَفَةٍ، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ أُجِرَ وَفِي المضاعفة عشر.

( [نقض الحكم] )

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنِ اجْتَهَدَ مِنَ الحكام فقضى باجتهاده ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ أَوْ وَرَدَ عَلَى قَاضٍ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ فَمَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا ردَّهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهَ وَحَكَمَ فِيمَا اسْتَأْنَفَ بِالَذِي هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا بَانَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ أَوْ بَانَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْقُضَاةِ قَدْ أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْطِئَ فِيمَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُخْطِئَ فِيمَا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.

فَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ أَنْ يُخَالِفَ أَوْلَى الْقِيَاسَيْنِ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ أَوْ أَولَاهُمَا مِنْ قِيَاسِ التَّقْرِيبِ فِي الشَّبَهِ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ نَافِذًا لَا يُتَعَقَّبُ بِفَسْخٍ وَلَا نَقْضٍ.

فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُشَرِّكْ فِي عَامٍ وَشَرَّكَ فِي عَامٍ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَمْ تُشَرَِّكْ فِي العام

<<  <  ج: ص:  >  >>