للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ نُقِضَ حُكْمُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ حَكَمَ بِالْقُرْعَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِجَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَبْحِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إِنْ حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ نُقِضَ حُكْمُهُ.

وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ اسْتِبْعَادِهِ مُتَنَاقِضٌ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] . يَعْنِي إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ الرَّسُولِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ردوا الجهالات إلى السنن ".

وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ".

وَلِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَدَلَ عَنِ اجْتِهَادِهِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ حِينَ أَخْبَرَهُ حَمَلُ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.

وَكَانَ لَا يُوَرِّثُ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، فَوَرَّثَهَا عُمَرُ.

وَكَانَ يُفَاضِلُ بَيْنَ دِيَاتِ الْأَصَابِعِ حَتَّى رُوِيَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ ".

وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ: لَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ أَمْسِ فَرَاجَعْتَ الْيَوْمَ فِيهِ عَقْلَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.

وَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَكَانَتْ إِجْمَاعًا.

وَلِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَصْلٌ لِلْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ فَلَمَّا نُقِضَ حُكْمُهُ بِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ كَانَ نَقْضُهُ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى.

وَوُضُوحُ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ يُغْنِي عَنِ اسْتِيفَاءِ أَدِلَّتِهِ.

( [هَلْ يَتَعَقَّبُ الْقَاضِي حُكْمَ مَنْ قَبْلَهُ] )

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: " وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ مَنْ قَبْلَهُ وَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ نُظِرَ فِيهِ فَرَدَّهُ أَوْ أَنْفَذَهُ عَلَى مَا وَصَفْتُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا تَقَلَّدَ عَمَلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَقَّبَ أَحْكَامَ مَنْ قَبْلَهُ وَلَا يَتَتَبَّعَهَا لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>