للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَقُولُ: كَانَ معاذٌ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ، هِيَ لَهُمْ فَرِيضَةٌ وَلَهُ نَافِلَةٌ " وَجَابِرٌ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا عَنْ عِلْمٍ

وَالثَّانِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ " فَكَيْفَ يَجُوزُ لِمُعَاذٍ مَعَ سَمَاعِ هَذَا أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ

وَالثَّالِثُ: أن معاذ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فَرْضَهُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِهِ إِمَامًا بِقَوْمِهِ، وَهُوَ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَفْضَلَ الْحَالَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ اخْتِيَارُ أَنْقَصِهِمَا

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ قَالَ: " يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَتْ بَنُو سَلَمَةَ هَذَا أَقْرَؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَعْنُونَ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ، وَكَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ

فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يؤمُّكم مُعَاذٌ، إِنَّ صَلَاةَ غَيْرِ الْبَالِغِ نَافِلَةٌ لَهُ، فَقَدْ جَوَّزَ لِلْمُفْتَرِضِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَسَمِعَ مِنْ خَلْفِهِ صَوْتًا، فَقَالَ عَزَمْتُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُ هَذَا إِلَّا قَامَ فَتَوَضَّأَ وَأَعَادَ صَلَاتَهُ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ بَلْ قَالَ لَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَوْ عَزَمْتَ عَلَيْنَا كُلِّنَا فَقُمْنَا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ كُنْتُ سَيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسَيِّدًا فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ عَزَمْتُ عليكم كلكم وأنا معكم ثم مضوا فتوضؤا وَعَادُوا فَصَلَّى بِهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فَكَانَتْ صَلَاةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَافِلَةً، وَصَلَاةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ فَرِيضَةً، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ تُؤَدَّى جَمَاعَةً وَفُرَادَى فَجَازَ أَنْ تُؤَدَّى إِحْدَاهُمَا خَلْفَ الْأُخْرَى

أَصْلُهُ: مَعَ أبي حنيفة صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ

وَقَوْلُنَا: مُتَّفِقَتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، احْتِرَازًا مِنَ الْمُفْتَرِضِ يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي " الْكُسُوفَ وَقَوْلُنَا: فُرَادَى احْتِرَازًا مِنَ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الظُّهْرِ، وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَمَّا اشْتُرِطَتْ لِلْفَضِيلَةِ لَا لِلْفَرِيضَةِ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي النِّيَّةِ، كَالنَّوَافِلِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ فِي النية شرطاً معتبر المنع الْمُتَنَفِّلَ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ، لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّيَّةِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي النِّيَّةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>