للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّعْدِيلِ تُخَالِفُ الشَّهَادَةَ بِالْجَرْحِ، مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَثَالِثٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا فَأَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّعْدِيلِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ قَدِيمَ الْمَعْرِفَةِ، وَتُقْبَلُ فِي الْجَرْحِ مِمَّنْ كَانَ حَدِيثَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَنَّعُ الْعَدَالَةَ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ، فَلَمْ تُقْبَلْ إِلَّا مِنْ قَدِيمِ الْمَعْرِفَةِ، وَيَحْدُثُ الْجَرْحُ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ، فَقُبِلَ مِنْ حَدِيثِ الْمَعْرِفَةِ.

وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الظَّاهِرَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا فِي الظَّاهِرِ، مَجْرُوحًا فِي الْبَاطِنِ، وَالْمُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَيُقْبَلُ الْجَرْحُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالْبَاطِنَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِهِ مَنْ عُرِفَ ظَاهِرُهُ، كَمَا يُعْلَمُ بِهِ مَنْ عُرِفَ بَاطِنُهُ.

وَأَمَّا الْفَرْقُ الثَّالِثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْجَرْحِ إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ سَبَبِهِ، فَهَلْ يَكُونُ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي التَّعْدِيلِ شَرْطًا فِي الشَّهَادَةِ بِهِ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ شَرْطٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ بِالتَّعْدِيلِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

وَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ بِالتَّعْدِيلِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

(تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فَإِذَا عُدِّلَ سَأَلَ عَنْ تَعْدِيلِهِ عَلَانِيَةً لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدَّلَ سِرًّا هُوَ هَذَا لَا يُوَافِقُ اسْمٌ اسْمًا ولا نسب ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِمَّا إِذَا ابْتَدَأَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ بِالشَّهَادَةِ فِيمَنْ بَحَثُوا عَنْهُ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِلْمٌ بِمَا يَشْهَدُونَ بِهِ، مِنْ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَبْعَثَهُمْ عَلَى الْجَهْرِ بِالشَّهَادَةِ، حَذَرًا أَنْ يَشْهَدُوا بِالْجَرْحِ الْمَأْمُورِ بِسَتْرِهِ.

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِالْعَدَالَةِ، جَازَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الشَّهَادَةِ سِرًّا وَجَهْرًا.

فَإِنْ شَهِدُوا بِالْجَرْحِ، حَكَمَ بِهِ، وَلَمْ يُعْلِنْهُ.

وَإِنْ شَهِدُوا بِالتَّعْدِيلِ، أَعْلَنَهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِي حُسْنِ الذِّكْرِ، وَجَمِيلِ الثَّنَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ جَرْحِهِ مَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ.

ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْمُعَدَّلِ؛ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي النَّاسِ، بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، فِي الِاسْمِ، وَالنَّسَبِ، اقْتَصَرَ الْحَاكِمُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِتَعْدِيلِهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِشَارَةِ الشُّهُودِ إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>