للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُدُولِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَخُصُّ، وَقَدْ عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَخُصَّ.

وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَدَّدُ لِلنَّاسِ حُقُوقٌ يَشْهَدُهَا مَنِ اتَّفَقَ، فَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ إِلَّا شَهَادَةَ مُعَيَّنٍ بَطَلَتْ.

وَلِأَنَّ فِي التَّعْيِينِ مَشَقَّةً تَدْخُلُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمُسْتَشْهِدِ، لِمَسْأَلَةِ الطَّالِبِ وَإِجَابَةِ الْمَطْلُوبِ. وَلِأَنَّ مَنْ قَلَّتْ أَمَانَتُهُ مِنَ النَّاسِ إِذَا عَلِمُوا أَنْ لَا تُقْبَلَ فِيهِمْ شَهَادَةُ مَنْ حَضَرَهُمْ تَجَاحَدُوا، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا تَنَاصَفُوا.

[وَقَدْ يَتَهَافَتُ النَّاسُ فِي الْمَعَاصِي عِنْدَ الْإِيَاسِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَيَمْتَنِعُونَ مِنْهَا عِنْدَ ظَنِّهِمْ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ] .

(الْقَوْلُ فِي كَاتِبِ الْقَاضِي)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَاقِلًا وَيَحْرِصُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لَا يُؤْتَى مِنْ جَهَالَةٍ نَزِهًا بَعِيدًا مِنَ الطَّبْعِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: لَا يَسْتَغْنِي قُضَاةُ الْأَمْصَارِ وَالْوُلَاةُ عَلَى الْأَعْمَالِ عَنْ كَاتِبٍ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي ضَبْطِ الْأُمُورِ لِيَتَشَاغَلَ الْوُلَاةُ بِالنَّظَرِ، وَيَتَشَاغَلَ الْكَاتِبُ بِالْإِثْبَاتِ، وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ.

قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كُتَّابٌ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ الْقَضِيَّةَ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَاتِبٌ، يُقَالُ لَهُ السِّجِلُّ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: تَعْرِفُ السُّرْيَانِيَّةَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ إِلَيَّ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ كُتُبِي كُلُّ أَحَدٍ فَتَعَلَّمِ السُّرْيَانِيَّةَ " قَالَ زَيْدٌ فَتَعَلَّمْتُهَا فِي نِصْفِ شَهْرٍ.

وَلِفَضْلِ الْكِتَابَةِ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا فَادَى أَسْرَى بَدْرٍ شَرَطَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِدَاءٌ أَنْ يُعَلِّمَ عَشَرَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْكِتَابَةَ، فَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ.

وَقَدْ كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُتَّابٌ مَشْهُورُونَ وَكَذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>