للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(هدايا أهل دار الإسلام إلى ولاة السلطنة) .

وَأَمَّا هَدَايَا دَارُ الْإِسْلَامِ فَتُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ إِمَّا عَلَى حَقٍّ يَسْتَوْفِيهِ، وَإِمَّا عَلَى ظُلْمٍ يَدْفَعُهُ عَنْهُ، وَإِمَّا عَلَى بَاطِلٍ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ هِيَ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ.

رَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لُعِنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَالرَّائِشُ " فَالرَّاشِي: بَاذِلُ الرَّشْوَةِ، وَالْمُرْتَشِي: قَابِلُ الرَّشْوَةِ، وَالرَّائِشُ: الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا.

وَلِأَنَّ الْهَدِيَّةَ إِنْ كَانَتْ عَلَى حَقٍّ يَقُومُ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ نَظَرِهِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِحَقٍّ أَنْ يَسْتَعْجِلَ عَلَيْهِ كما لا يجوز أن يستجعل عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ.

وَإِنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ يُعِينُ عَلَيْهِ، كَانَ الِاسْتِعْجَالُ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا، وَأَغْلَظُ مَأْثَمًا.

فَأَمَّا بَاذِلُ الرِّشْوَةِ فَإِنْ كَانَتْ لِاسْتِخْلَاصِ حَقٍّ أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَذْلُهَا، كَمَا لَا يَحْرُمُ افْتِدَاءُ الْأَسِيرِ بِهَا.

وَإِنْ كَانَتْ لِبَاطِلٍ يُعَانُ عَلَيْهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَذْلُهَا كَمَا حَرُمَ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ أَخْذُهَا، وَوَجَبَ رَدُّ الرِّشْوَةِ عَلَى بَاذِلِهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ مِنْ ذِي نَسَبٍ أَوْ مَوَدَّةٍ فَهَذِهِ هَدِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِرِشْوَةٍ. وَهِيَ ثَلَاثَةُ ضُرُوبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ قَبْلَ الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَرَضَتْ، فَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا لِانْتِفَاءِ الظِّنَّةِ عَنْهَا، وَلِلْعُرْفِ الْجَارِي فِي التَّوَاصُلِ بِهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَقْتَرِنَ بِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ فَيَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ الْحَاجَةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يُهْدِي إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَيَقْبَلُهُ، حَتَّى اقْتَرَضَ زَيْدٌ مَالًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَهْدَى اللَّبَنَ، فَرَدَّهُ عُمَرُ، فَقَالَ زَيْدٌ: لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّكَ اقْتَرَضْتَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَالًا، فَقَالَ زَيْدٌ: لَا حَاجَةَ لِي فِي مَالٍ يَقْطَعُ الْوَصْلَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَرَدَّ الْمَالَ وَأَهْدَى اللَّبَنَ فَقَبِلَهُ مِنْهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدَ فِي هَدِيَّتِهِ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَيُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِنْ كَانَتِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ مَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا لِخُرُوجِهَا عَنِ الْمَأْلُوفِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَخْطُبُ مِنْهُ الْوِلَايَةَ عَلَى عَمَلٍ يُقَلِّدُهُ، فَهَذِهِ رِشْوَةٌ تَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْهَدَايَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، سَوَاءٌ كَانَ خَاطِبُ الْوِلَايَةِ مُسْتَحِقًّا لَهَا، أَوْ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ وَعَلَيْهِ رَدُّهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى بَاذِلِهَا إِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْوِلَايَةِ وَإِنْ كَانَ مستحقا

<<  <  ج: ص:  >  >>