للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا تَجُوزُ إِمَامَتُهُ

وَهَذَا خَطَأٌ لِرِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كنتُ بالحاضرة وكان كل مَنْ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمُرُّ بِنَا فَإِذَا رَجَعَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا وَكَذَا فَأَحْفَظُ، وَكُنْتُ عَاقِلًا حَافِظًا، فَحَفِظْتُ أَكْثَرَ الْقُرْآنِ ثُمَّ انْطَلَقَ بِي قَوْمِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفْدًا، فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَقَالُوا هَذَا أَقْرَؤُنَا يَعْنُونَنِي فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ وَعَلَى جَنَائِزِهِمْ وَأَنَا ابْنُ تِسْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنَ الْكُتَّابِ لِيُصَلُّوا بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَنَعْمَلُ لَهُمُ الْقَبَلِيَّةَ وَالْحَسَكَاتِ

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " وأكرَه إِمَامَةَ الْفَاسِقِ، وَالْمُظْهِرِ لِلْبِدَعِ، وَلَا يُعِيدُ مَنِ ائْتَمَّ بِهِمَا "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ، أَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ مِنَ الشَّيْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: ٥٠] . أَيْ خَرَجَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ فَاسِقٌ إِذَا كَانَ عريان قَدْ تَجَرَّدَ مِنْ أَثْوَابِهِ، وَتَقُولُ: فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا؛ فَالْفَاسِقُ فِي دِينِهِ: هُوَ الْخَارِجُ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِكُرِهَ إِمَامَتُهُ، وَيُمْنَعُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ " فَأَجْهَرَ بِالْفَضْلِ فِي الذِّكْرِ وَنَبَّهَ عَلَى الْفَضْلِ فِي غَيْرِ الذِّكْرِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أصلحكم وأودعكم وَأَرْشَدُكُمْ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لِيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ ". وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " انْتَقِدُوا أَئِمَّتَكُمُ انْتِقَادَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ "

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ إِمَامَةَ الْفَاسِقِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فَالْفِسْقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْمِلَّةِ وَيُبَايِنَ بِهِ أَهْلَ الشَّرِيعَةِ وَيَصِيرَ بِهِ كَافِرًا، كَشَارِبِ الْخَمْرِ بِعَيْنِهَا وَيَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهَا وَتَحْلِيلَهَا، أَوْ مَنْ زَنَى أَوْ لَاطَ مُصِرًّا لَا يَرَى ذَلِكَ حَرَامًا، وَلَا أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَإِذَا اسْتَحَلَّ الْأَمْوَالَ الْمَحْظُورَةَ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوِ اسْتباح سَفْكَ الدِّمَاءِ الْمَحْقُونَةِ اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنَ الْفِسْقِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِمَامَتُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ، فَمَنِ ائْتَمَّ بِهِ كَانَ كَمَنِ ائْتَمَّ بِكَافِرٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ الْحُكْمَ فِيهِ

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنَ الْفِسْقِ مَا لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَلَا يُبَايِنُ بِهِ أَهْلَ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الِاعْتِقَادِ. فَالْفَاسِقُ بِفِعْلِهِ ك " شارب الْخَمْرِ " نَادِمًا، وَالْمُقْدِمِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>