للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ إِحْلَافُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي إِثْبَاتُ الْحَقِّ دُونَ إِسْقَاطِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَهُ إِحْلَافُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنِ الْيَمِينِ فَيَعْتَرِفَ، وَالْإِقْرَارُ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ.

فَإِنْ أَحْلَفَهُ وَأَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ.

وَلَوْ أَقَامَهَا قَبْلَ إِحْلَافِهِ وَأَرَادَ إِحْلَافَهُ بَعْدَ إِقَامَتِهَا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا.

فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: إِنْ حَلَفَ فَهُوَ بَرِيءٌ فَحَلَفَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَقَعُ بِالصِّفَاتِ.

وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً، وَيَسْأَلُ إِحْلَافَهُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُحْلِفَهُ.

فَإِنْ أَحْلَفَهُ ثُمَّ أَحْضَرَ بَعْدَ يَمِينِهِ بَيِّنَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي سَمَاعِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَهَا بِإِنْكَارِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: أَنَّهُ يَسْمَعُهَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَهُ بَيِّنَةٌ ثُمَّ يَعْلَمُ، وَلَوْ عَلِمَ لَكَانَ ذَلِكَ كَذِبًا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا لِلْبَيِّنَةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا، وَوَجَبَ إِحْلَافُ الْمُنْكِرِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحْلِفَهُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ كَمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ إِحْلَافِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَهَا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يحلفه بها ليعلم إقدامه عليها فيغطه أَوْ يُوقِفُهُ عَنْهَا فَيُحَذِّرُهُ فَإِنِ اسْتَمْهَلَ الْمُنْكِرُ فِي الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ اسْتِمْهَالُهُ لِيُرَاجِعَ النَّظَرَ فِي حِسَابِهِ أَمْهَلَهُ بِحَسْبِ مَا يُمْكِنُهُ مُرَاجَعَةُ الْحِسَابِ، وَإِنِ اسْتَمهلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُمْهِلْهُ وَلَمْ يَحْبِسْهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَكَانَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ حُكْمِ النُّكُولِ.

فَلَوْ سَأَلَ الْمُنْكِرُ إِحْلَافَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا ادَّعَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِحْلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ حَقًّا عَلَى الْمُدَّعِي وَقِيلَ إِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِكَ إِنِ اخْتَارَ.

وَلَوْ سَأَلَ الْمُدَّعِي تَأْخِيرَ إِحْلَافِ الْمُنْكِرِ، لِيَغْلُظَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِإِحْلَافِهِ بعد العصر

<<  <  ج: ص:  >  >>