للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعِلْمِهِ، فَإِنْ مَنَعَ مِنَ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ، لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ، وَإِنْ أُجِيزَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ.

وَعَلَى هَذَا إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ حُكْمِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي حُكْمِهِ دُونَ عِلْمِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ لِكَذِبِهَا.

فَأَمَّا إِذَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَيِّنَةً قَامَتْ عِنْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ بالبينة دون العلم.

[(فصل: تحكيم الخصمين شخصا)]

وَإِذَا حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلًا مِنَ الرَّعِيَّةِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَنَازَعَاهُ فِي بَلَدٍ فِيهِ قَاضٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ جَازَ.

لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَحَاكَمَا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا حَكَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْإِمَامَةِ كَانَ التَّحْكِيمُ فِيمَا عَدَاهَا أَوْلَى.

وَهَكَذَا حَكَّمَ أَهْلُ الشُّورَى فيها عبد الرحمن بن عوف.

(نفوذ حكم المحكم) .

وَإِذَا جَازَ التَّحْكِيمُ فِي الْأَحْكَامِ فَنَفَاذُ حُكْمِهِ مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالتَّحْكِيمِ حَاكِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ بَطَلَ تَحْكِيمُهُ، وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَ الْخَصْمَانِ عَلَى التَّرَاضِي بِهِ، إِلَى حِينِ الْحُكْمِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ رَضِيَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا أَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ تَحْكِيمُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ سَوَاءٌ حَكَمَ لِلرَّاضِي أَوْ لِلرَّاجِعِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ فِي أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ.

وَالْأَحْكَامُ تَنْقَسِمُ فِي التَّحْكِيمِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ: وَهُوَ حُقُوقُ الْأَمْوَالِ، وَعُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ، وَمَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ.

وَقِسْمٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ، وَهُوَ مَا اخْتَصَّ الْقُضَاةُ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوِلَايَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَإِيقَاعِ الْحَجْرِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>