للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّانِي قَادِرٌ عَلَى سَمَاعِهَا كَالْأَوَّلِ وَلَا يَقْدِرُ الْغَائِبُ عَلَى سَمَاعِهَا كَالْحَاضِرِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْزِلَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَبُولِهَا وَبَعْدَ إِلْزَامِ الْحَقِّ الَّذِي تَضَمَّنَهَا، فَعَلَى الثَّانِي إِذَا أَشْهَدَ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْسِهِ بإلزام أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَوَّلِ فِي تَنْفِيذِ الْإِلْزَامِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْزِلَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَبُولِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِإِلْزَامِ مَا تَضَمَّنَهَا فَلَا تَخْلُو حَالُ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَحْيَاءً أَوْ مَوْتَى.

فَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً مَوْجُودِينَ، لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ تَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِشُهُودِ الْفَرْعِ.

وَإِنْ كَانُوا مَوْتَى أَوْ غَيْرَ مَوْجُودِينَ فِي الْأَحْيَاءِ جَازَ لِلثَّانِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَوَّلِ، فَيَحْكُمُ بِالْإِلْزَامِ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ يُبِيحُ الْحُكْمَ بِشُهُودِ الْفَرْعِ.

وَكَمَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِلْزَامِ بِحُكْمِ الْكَاتِبِ بِالْقَبُولِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْبِرَ بِهِ فِي وِلَايَتِهِ فَقَوْلُهُ فِيهِ مَقْبُولٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ اسْتِدْلَالًا بأنه لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُنْكِرِ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُنْكِرِ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَحْكُمَ فِي وِلَايَتِهِ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِالْحُكْمِ فِي وِلَايَتِهِ، لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ فِعْلَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَمَنْ مَلَكَ عِتْقَ عَبْدِهِ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِعِتْقِهِ. فَأَمَّا اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ فَخَارِجٌ عَنْهَا لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً وَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ وِلَايَةٌ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُخْبِرَ بَعْدَ عَزْلِهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ حَكَمَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا لَمْ يَقْبَلِ الْقَاضِي قَوْلَهُ وَحْدَهُ، حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكِ الْحُكْمَ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ عَزْلِهِ.

أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُطَلِّقُ بِرَجْعَةِ زَوْجَتِهِ فِي عِدَّتِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ عِدَّتِهَا، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهَا، وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَمْلِكِ الْإِقْرَارَ بِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>