للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

(الشهادات في البيوع)

(مختصر من الجامع من اختلاف الحكام والشهادات ومن أحكام القرآن ومن مسائل شتى سمعتها منه لفظا)

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا تَرْكُهُ وَالَآخَرُ حَتْمًا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في آية الدين والدين تبايع بالإشهاد وقال فيها {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانته} دل على أن الأولى دلالة على الحظ لما في الإشهاد من منع التظالم بالجحود أو بالنسيان ولما في ذلك من براءات الذمم بعد الموت لا غير وكل أمر ندب الله إليه فهو الخير الذي لا يعتاض منه من تركه وقد حفظ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه بايع أعرابيا فرسا فجحده بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما إشهاد فلو كان حتما ما تركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الشَّهَادَةُ، فَهِيَ إِحْدَى الْوَثَائِقِ فِي الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ لِجَوَازِهَا فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الرَّهْنُ وَالضَّمَانُ، وَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا احْتِيَاطًا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذا تبايعتم} [البقرة: ٢٨٢] ، وقال تعالى: {فاستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةِ وَمَنْ يَكْتُمْهَا، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] .

فَدَلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَمْرِ بِالشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ، وَدَلَّ مَا تَأَخَّرَ مِنَ الْآيَتَيْنِ عَلَى وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَى الشُّهُودِ، فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا.

وَمَا يُشْهَدُ فِيهِ ضَرْبَانِ: حُقُوقٌ وَعُقُودٌ.

فَأَمَّا الْحُقُوقُ فَالشَّهَادَةُ فِيهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا لِحِفْظِهَا عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي الْعُقُودِ، فَالشَّهَادَةُ فِيهَا تَنْقَسِمُ ثلاثة أقسام:

أحدهما: مَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ وَاجِبَةً فِيهِ، وَشَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، وَهِيَ عُقُودُ الْمَنَاكِحِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كتاب النكاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>