للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن لا يجزن في الوصية إذ لم يستنبن في الإعواز من شاهدين ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الشَّهَادَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الْعَدَدُ وَالْجِنْسُ وَالْعَدَالَةُ فَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ بِحَالٍ، وَأَمَّا الْعَدَدُ وَالْجِنْسُ فَيُعْتَبَرَانِ بِالْمَشْهُودِ فِيهِ وَهُوَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ، وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهَائِمِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] الآية.

وقال تعالى: {ولولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} الْآيَةَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعٌ وَنُفَيْعٌ وَتَوَقَّفَ زِيَادٌ عَنْ إِكْمَالِ الشَّهَادَةِ، فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ، وَلَمْ يَرْجُمِ الْمُغِيرَةَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ لَا امْرَأَةَ فِيهِمَا، وَهُوَ مَا سِوَى الزِّنَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، وَالْجَلْدِ فِي الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ فِي الرِّدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جمهور الفقهاء. وقال الحسن البصري: كلما أَوْجَبَ الْقَتْلَ لَا أَقْبَلُ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الزِّنَا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُ يُوجِبُ الرَّجْمَ، وَبَعْضُهُ يُوجِبُ الْجَلْدَ، وَالشَّهَادَةُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُخَالِفَ مَا عَدَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَلَا يُوجِبُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ فِيهِ وَاحِدَةً، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ مَقْبُولَةٌ كَالْأَمْوَالِ، وَهَذَا فَاسِدٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] ، وَلِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَانَتِ الشَّهَادَةُ فِيهَا أَغْلَظَ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِهَا مِمَّا لَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا أَنَّ الزِّنَا لَمَّا كَانَ أَغْلَظَ مِنَ السَّرِقَةِ لِتَعَدِّيهِ إِلَى اثْنَيْنِ وَاخْتِصَاصِهِ بإسقاط نسب الوالد كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ أَغْلَظَ مِنْهَا فِيمَا عَدَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>