للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وأمرت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ". فَجَعَلَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَمًا فِي تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ دُونَ الصَّلَاةِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ فَقَالَ: " إِذَا لَمْ أَعْدِلْ أَنَا فَمَنْ يَعْدِلُ " وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَاءَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فَرَجَعَ، وَقَالَ مَا قَتَلْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَقَدْ نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، فَبَعَثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَاءَهُ ليقتله، فرجع كَذَلِكَ، فَبَعَثَ بِعَلِيٍّ وَرَاءَهُ وَقَالَ إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُ فَذَهَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْهُ

فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصَلَاتِهِ لَمْ يَأْمُرْ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِ

فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ.

قِيلَ: تَرْكُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِ الْحُكْمِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِفِعْلِهِ مُنْفَرِدًا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِفِعْلِهِ جَامِعًا كَالْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَا يَكُونُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ فِعْلِهِ، أَصْلُهُ إِذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ يَجِبُ إِذَا فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ أَلَّا يُحْكَمَ بِإِسْلَامِهِ كَالْجِهَادِ، وَلِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ كَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ١٨] فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِمَارَةِ الْبِنَاءُ دون إقامة الصلاة اعتباراً بحقيقة الاسم وعرفه، كيف وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [التوبة: ١٨] فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعِمَارَةِ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ ذِكْرَ الْإِقَامَةِ ثَانِيَةً

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَنْ عَمَّرَ مَسَاجِدَ اللَّهِ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُؤْمِنُ مَنْ يُعَمِّرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ، فَجَعَلَ الْإِيمَانَ دَلَالَةً عَلَى الْعِمَارَةِ ودلالة على الإيمان

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من استقبل قبلتنا. . الحديث " فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاتَنَا كَانَ لَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، غَيْرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا صَلَاةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لا تصح إلا بعد تقديم الْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>