للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٥] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ [بِالتَّوْبَةِ] يَرْفَعُ حُكْمَ مَا تَقَدَّمَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إِذَا انْعَطَفَ عَلَى جُمْلَةٍ عَادَ إِلَى جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِبَعْضِهَا، كَقَوْلِهِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَسَالِمٌ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِهِمَا، فَلَا تُطَلَّقُ زَيْنَبَ كَمَا لَمْ يُعْتَقْ سَالِمٌ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْجَلْدَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ حُكْمَانِ وَالْفِسْقُ عِلَّةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى الْحُكْمِ دُونَ الْعِلَّةِ.

كَمَّا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ وَجَلَسَ، فَأُعْطِهِ دِرْهَمًا، لِأَنَّهُ صَدِيقٌ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّرْهَمَ، وَكَانَ عَلَى الصَّدَاقَةِ، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ جَزَاءٌ، وَالصَّدَاقَةُ عِلَّةٌ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّ الْفِسْقَ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ حُكْمٌ مُسْتَقْبَلٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى مُسْتَقْبَلِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى مَاضِي الْأَخْبَارِ. وَاعْتَرَضُوا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعُدِ الِاسْتِثْنَاءُ بِالتَّوْبَةِ إِلَى الْجَلْدِ مُنِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ الْفِسْقُ دُونَ رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ عنه جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمْ يُعْدَلْ إِلَى الْجَلْدِ لِدَلِيلٍ خَصَّهُ وَهُوَ أَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْفِسْقَ عِلَّةٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَارْتِفَاعُ الْعِلَّةِ مُوجِبٌ لِرَفْعِ حُكْمِهَا، وَلَيْسَ الْفِسْقُ عِلَّةً فِي وُجُوبِ الْحَدِّ. فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ رَدُّ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ وُجُوبُ الْحَدِّ.

وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي: أَنْ قَالُوا: فقوله {إلا الذين تابوا} عَائِدٌ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ لَا إِلَى مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٥] أَيْ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَرْحَمُهُمْ فَتَعُودُ التَّوْبَةُ إِلَى الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَا تَعُودُ إِلَى الْفِسْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ مُنْقَطِعًا وَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ قوله: {فإن الله غفور رحيم} صِفَةٌ لِذَاتِهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِاسْتِثْنَاءٍ وَلَا شَرْطٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>