للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ، فَعَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى ذَلِكَ فَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا يَشْهَدُ بِهِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْتِزَامِ الْحُكَّامِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْإِلْزَامُ مُعْتَبَرٌ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ دُونَ اجْتِهَادِ الشَّاهِدِ، وهكذا لو كان مَعَ الشَّاهِدِ امْرَأَتَانِ، فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، كَانَ مُعْتَبَرًا بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثم تتفرع الشهادات (قال الشافعي) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ ولا شهيد} فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَلَمْ أَحْفَظْ خِلَافَ مَا قُلْتُ عَنْ أَحَدٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ ... . " عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهَا تَتَفَرَّعُ بِأَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي حَالٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَفِي حَالٍ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَقَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ مُتَأَوِّلٌ عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ نَصَّ مَذْهَبِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا تَتَفَرَّعُ بِأَنْ يَكُونَ فَرْضُ تَحَمُّلِهَا عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ أَدَائِهَا عَلَى الْأَعْيَانِ.

وَقَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ مُتَأَوِّلٌ لَهُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ، لِأَنَّ فَرْضَ التَّحَمُّلِ قَدْ يَتَعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ مَنْ دُعِيَ لِلتَّحَمُّلِ، وَفَرْضُ الْأَدَاءِ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ إِذَا وُجِدَ غَيْرُ مَنْ دُعِيَ لِلْأَدَاءِ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ مِنْ أَنْ يَنْتَقِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ إِلَى فَرْضِ الْأَعْيَانِ، وَمِنْ فَرْضِ الْأَعْيَانِ إِلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلَئِنْ كَانَ الْمُتَحَمِّلُ مُلْتَزِمًا لِفَرْضِ الْأَدَاءِ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّهَا تَتَفَرَّعُ بِأَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ تَارَةً فِي تَصْحِيحِ عَقْدٍ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، وَتَارَةً فِي نَدْبٍ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ وَتَارَةً فِي وَثِيقَةٍ كَالدُّيُونِ.

وَقَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْرُجُ بِتَأْوِيلِهِ عِنْدَ مَذْهَبِهِ.

فَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَا وَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهَا لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ.

فَإِذَا اقْتَصَرَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهَا أَهْلَ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَعَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ الْوَثِيقَةَ فِي إِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ دَعَا إِلَيْهَا أَهْلَ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَثُبُوتَهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>