للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِجَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِحُضُورِهِ.

وَالثَّانِي: فِي الْوَثِيقَةِ بِتَحَمُّلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ تَفَرَّدَ حُضُورُهُ بِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ جَمَعَ بِحُضُورِهِ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَتَحَمُّلِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ كَالْبَيْعِ كَانَ مَطْلَبُهَا مَنْدُوبًا إِلَيْهَا، وَالْمَطْلُوبُ لَهَا مَنْدُوبًا إِلَى الْحُضُورِ، لِأَنَّهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى حُكْمِ الطَّالِبِ، وَفِي الْوَثِيقَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الطَّالِبِ فَيَصِيرُ دَاخِلًا فِي فَرْضِ الْوَثِيقَةِ، وَكَانَ خَارِجًا مِنْ فَرْضِ الْعَقْدِ.

وَإِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى دَيْنٍ فَهِيَ وَثِيقَةٌ مَحْضَةٌ طَالِبُهَا مُخَيَّرٌ فِي طَلَبِهَا، وَالْمَطْلُوبُ بِهَا دَاخِلٌ فِي فَرْضِ تَحَمُّلِهَا.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: إِنَّهَا تَتَفَرَّعُ بِأَنْ يَخْتَلِفَ حَكَمُهَا بِوُجُودِ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا، وَوُجُودِ الْأَعْذَارِ وَعَدَمِهَا. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْمُضَارَّةُ فَيَسْقُطُ بِهَا فَرْضُ الشَّهَادَةِ إِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ، وَتَتَغَلَّظُ بِهَا فَرْضُ الشَّهَادَةِ إِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُضَارَّةَ أَنْ يَكْتُبَ الْكَاتِبُ مَا لَمْ يُمْلَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ بِمَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْمُضَارَّةَ أَنْ يَمْتَنِعَ الْكَاتِبُ أَنْ يَكْتُبَ، وَيَمْتَنِعَ الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّ الْمُضَارَّةَ أَنْ يُدْعَى الْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ وَهُمَا مَشْغُولَانِ مَعْذُورَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَالضِّحَاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَالرَّبِيعِ.

وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي تَأْوِيلًا رَابِعًا: أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَّةَ أَنْ يُدْعَى الْكَاتِبُ أَنْ يَكْتُبَ بِالْبَاطِلِ، وَيُدْعَى الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ بِالزُّورِ فَهَذَا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ.

فَإِنْ كَانَتِ الْمُضَارَّةُ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْإِجَابَةِ مَأْثَمٌ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْحَقِّ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْقِصَهُ مِنَ الْحَقِّ، فَلَا يَسَعُ الطَّالِبُ أَنْ يَسْأَلَ وَلَا يَسَعُ الشَّاهِدُ أَنْ يُجِيبَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آثِمٌ إِنْ فَعَلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>