للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمْ، لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ بَعْدَ افْتِرَاقِهِمْ لِتُوَجُّهِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أوجه:

أحدها: قوله: {من رجالكم} وَلَيْسَ الصِّبْيَانُ مِنَ الرِّجَالِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ: {فَرَجُلٌ وامرأتان} دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الصِّبْيَانِ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ قَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشهداء} وَلَيْسَ الصِّبْيَانُ مِمَّنْ يُرْضَى مِنَ الشُّهَدَاءِ.

وَرَوَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ " فَلَمَّا كَانَ الْقَلَمُ مَرْفُوعًا عَنْهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إِذَا أَقَرَّ، كَانَ أَوْلَى أَنْ يُرْفَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، إِذَا شَهِدَ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْأَمْوَالِ أَخَفُّ مِنْهَا فِي الدِّمَاءِ، وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مِنْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الدِّمَاءِ.

وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِأَجْلِ اعْتِزَالِهِمْ عَنِ الرِّجَالِ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لَجَازَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَالْأَعْرَاسِ، أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ بِعَضِّهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَهِيَ لَا تُقْبَلُ مَعَ الضَّرُورَةِ مَعَ جَوَازِ قَبُولِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْأَمْوَالِ، فَالصِّبْيَانُ الَّذِينَ لَا تُقْبَلُ شهادتهم مع الرجال فأولى أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الِانْفِرَادِ، وَبِهِ يَبْطُلُ اسْتِدْلَالُهُمْ.

وَقَضَاءُ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَمْنَعُ مِنِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَالْقِيَاسُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ لَمْ تُقْبَلْ فِي الْجِرَاحِ، كالفسقة.

[(مسألة)]

: قال الشافعي " وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ وَلَا كَافِرٍ وَلَا صبي بحال لأن المماليك يغلبهم من يملكهم على أمورهم وأن الصبيان لا فرائض عليهم فكيف يجب بقولهم فرض والمعروفون بالكذب من المسلمين لا تجوز شهادتهم فكيف تجوز شهادة الكافرين مع كذبهم على الله جل وعز (قال المزني) أحسن الشافعي ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ، وَإِنِ انْعَقَدَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْعِتْقِ مِنَ الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَمَنْ رَقَّ بَعْضُهُ وَعُتِقَ بَعْضُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، لِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا تَكَامَلَ عِتْقُ أَحَدِهِمْ وَصَارَ حُرًّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ وَلَاءُ الْعِتْقِ جَارِيًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>