للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا أَسْنَدَهُ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اسْتَشَرْتُ جِبْرِيلَ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَأَشَارَ عَلَيَّ بِذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ لَا تَعْدُو ذَلِكَ ". وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ الشَّاهَدَ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنَ الَشَاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَلَمَّا لَمْ يُحْكَمْ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُحْكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ نَفْعُ جهات تملكها، فاتبع حكم الشاهدة بِهَا، وَلَمَّا ضَاقَتْ جِهَاتُ مَا عَدَّا الْأَمْوَالَ ضَاقَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ بِهَا.

وَلَا وَجْهَ لِاسْتِدْلَالِ مَالِكٍ بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ لَا يُدَّعَى فِيهَا الْعُمُومُ.

وَقِيَاسُهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مُنْتَقَضٌ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْيَمِينِ فِي النُّكُولِ، فَلِوُجُوبِهَا عَنِ اخْتِيَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَعَمَّتْ فِي حَقِّهِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ وَجَبَتْ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، فَجُعِلَتْ مَقْصُورَةً عَلَى مَا اتَّسَعَ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَضِقْ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ، دُونَ غَيْرِهَا. فَمُدَّعِي الْمَالِ إِذَا قَدَرَ عَلَى إِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُثْبِتَهُ بِشَاهِدَيْنِ وَهُوَ أَقْوَاهُمَا، فَيُحْكَمُ لَهُ بِالْمَالِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُثْبِتَهُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِالْمَالِ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، إِلَّا مَعَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] .

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمُسْتَشْهَدِينَ فِي تَوَثُّقِهِمْ بِالشَّهَادَةِ دُونَ الْحُكَّامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] وَقَدْ وَافَقَ مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَتَوَثَّقَ الْمُسْتَشْهِدُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شَاهِدَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ التَّوَثُّقِ بِالشَّهَادَةِ: إِثْبَاتُ الْحُقُوقِ بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُثْبِتَهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، جَازَ وَثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ، فَفِي جَوَازِ إِثْبَاتِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهَا، كَمَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ شَاهِدَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِهَا مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ، لِأَنَّ نَقْصَهَا عَنِ الْكَمَالِ، يَبْعَثُ عَلَى الْحُكْمِ بِهَا فِي الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ عَدَلَ الْمُدَّعِي عَنْ إِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>