للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ لَهُمْ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِبْدَالُ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ.

وَعَلَى هَذَا لَوِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ، إِذَا أَحْبَلَهَا الرَّاهِنُ وَادَّعَى وَطْأَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الْإِذْنَ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، فِي إِنْكَارِ الْإِذْنِ، فَلَمْ يَحْلِفْ فَرُدَّتْ اليمين عَلَى الرَّاهِنِ فَلَمْ يَحْلِفْ وَأَجَابَتِ الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إِلَى أَنْ تَحْلِفَ فَخَرَّجَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَحْلِفَ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَعْيِينِ حَقِّهَا فِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِسَيِّدِهَا.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ يُسَاوِي مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ بِمَالٍ كَرَجُلٍ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إِنْ كُنْتُ غَصَبْتُ فُلَانًا هَذَا الْعَبْدَ فَيَشْهَدُ لَهُ عَلَيْهِ بِغَصْبِهِ شَاهِدٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْغَصْبَ وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْحِنْثِ غَيْرُ حُكْمِ الْمَالِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يُحْكَمُ بِهِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْحُدُودِ، فَإِذَا ادَّعَى سَرِقَةَ مَالٍ يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدًا، وَيَمِينًا وَجَبَ الْغُرْمُ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْغُرْمَ مَالٌ وَالْقَطْعَ حَدٌّ، وَلَا يَمْتَنِعُ، إِذَا اجْتَمَعَ فِي الدَّعْوَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ لَوِ انْفَرَدَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ إِذَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ دُونَ الْغُرْمِ، إِذَا وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُثْبِتَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْغُرْمَ دُونَ الْقَطْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الدِّيَةَ، دُونَ الْقَوَدِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ، وَالْقَوَدُ حَدٌّ، كَمَا أَوْجَبْتُمْ بِهِ فِي السَّرِقَةِ الْغُرْمَ، دُونَ الْقَطْعِ قِيلَ: لِفَرْقَيْنِ مَنَعَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ أَصْلٌ وَالْقَطْعَ فَرْعٌ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعَ سُقُوطِ فَرْعِهِ، وَالْقَوَدُ فِي الْقَتْلِ أَصْلٌ، وَالدِّيَةُ فَرْعٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ لِلْفَرْعِ مَعَ سُقُوطِ أَصْلِهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالْعَفْوِ عَنِ الْقَوَدِ، وَاخْتِيَارِ الدِّيَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّيَةَ إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَوَدَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ، وَأَنَّ كُلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>