للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطُرُقُ الْعِلْمِ فِي هَذَا مُمْتَنِعَةٌ، وَلَا يُمْنَعُ مِنَ الْيَمِينِ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ، فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْهَا مَعَ الشَّاهِدِ فِيمَا تَكْثُرُ طُرُقُ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ.

فَأَمَّا مَذْهَبُنَا فِي يَمِينِ هَذَا الصَّبِيِّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنْ يَمِينَهُ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ، كَقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ دُونَ الْإِنْكَارِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُحْلِفَهُ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَطْعِ، فَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ آبِقٌ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الشَّافِعِيِّ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِنْكَارِ إِحْلَافِهِ عَلَى الْبَتِّ.

(فَصْلٌ)

: وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْهُ اعْتِرَاضًا ثَالِثًا، قَدَحَ بِهِ فِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا، فَجَعَلَ إِنْكَارَ الزُّهْرِيِّ قَدْحًا فِي الْخَبَرِ، وَمَانِعًا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ.

وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ.

أَحَدُ جَوَابَيِ الشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ قَضَاءً بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ حِينَ وَلَّى، وَلَا يَثْبُتُ إِنْكَارُهَا مَعَ الْعَمَلِ بِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍّ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ نَكَحَهَا عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ.

وَوَافَقَ عَلِيًّا فِي إِنْكَارِهِ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَرُدُّهُ بِإِنْكَارِ عَدَدٍ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ.

وَرَدَّ عَلَيْنَا حَدِيثَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأَحَدُ جَوَابَيْ أَصْحَابِهِ أَنَّ إِنْكَارَ الزُّهْرِيِّ لِلْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ إِنَّمَا كَانَ فِي الدِّمَاءِ دُونَ الْأَمْوَالِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَضَى بِهِ فِي الشِّجَاجِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَدْ تَقَابَلَ فِي الزُّهْرِيِّ إِنْكَارُهُ وَعَمَلُهُ، فَسَقَطَا بِالْمُعَارَضَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَحَدِهِمَا حُجَّةٌ.

(فَصْلٌ)

: ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ عَارَضَهُمْ فِي هَذَا الْفَصْلِ الرَّابِعِ، بِمَا تَنَاقَضَتْ فِيهِ مَذَاهِبُهُمْ، وَخَالَفُوا بِهِ أُصُولَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الِاسْتِهْلَالِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مِمَّا يَرَاهُ الرِّجَالُ، وَهَذَا إِنَّمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اسْتَوْفَى الشَّهَادَاتِ فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ، فَصَارَ زَائِدًا عَلَى النَّصِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>