للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُهُ حِرَاسَةُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابِهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ أَذَى عَدُوِّهِمْ وَأَبْعَدُ أَذَاهُمْ رَمْيُ السِّهَامِ، وَغَايَتُهُ فِي الْغَالِبِ مَا ذَكَرْنَا

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ سُورِ الْمَسْجِدِ مِنْ جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا سُورُ الْمَسْجِدِ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِلَى جَوَازِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ حَائِلٍ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا، لِأَنَّ سُورَ الْمَسْجِدِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَبَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهِ فَصَارَ كَالسَّوَارِي الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ: إِنَّ ذَلِكَ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ أَبْوَابُهُ الْمُغْلَقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُصْمَتَةً أَوْ مُشَبَّكَةً، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِنِسْوَةٍ صَلَّينَ فِي سُتْرَةٍ لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَنْزِلِهَا وَالْمَسْجِدِ إِلَّا سُورُ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ بَابَ مَنْزِلِهَا كَانَ يَنْفُذُ إِلَيْهِ فَإِذَا كَمُلَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثَةُ صَحَّتْ صَلَاةُ مَنْ خَارِجُ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ وَإِنْ عُدِمَ شَرْطٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالنَّخَعِيُّ وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يُصَلِّي بِصَلَاةِ الْإِمَامِ مَنْ عَلِمَهَا قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا حَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَمْ لَا، وَهَذَا غَلَطٌ وَبِمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَالَ [بِهِ] سائر الفقهاء والدلالة على صحة قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] . وَمَا قَالَهُ مِنْ إِيجَابِ السَّعْيِ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ لَهُمْ سَبِيلُ الْعِلْمِ بِهَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ " مَعْنَاهُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا صَلَاةَ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا فِي مَنْزِلِهِ جَائِزَةٌ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَضَلَلْتُمْ " يَعْنِي: بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنِّسْوَةِ اللَّائِي صَلَّيْنَ فِي مَنْزِلِهَا: " لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ "

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الشَّرَائِطِ فَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ الْمَأْمُومِ الْوَاقِفِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ الْإِمَامُ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ أَوْ وَرَاءَهُ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إِلَّا أَنْ يكون محل ذيل الباب مفتوح يُشَاهَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةُ مَنْ فِيهِ وَيَكُونُ عَلَى قُرْبٍ، وَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ مِنْ سُورِ الْمَسْجِدِ لَا مِنْ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَلَا مِنَ انْتِهَاءِ الصُّفُوفِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ مُحَاذِيًا لِبَابِ الْمَسْجِدِ مُشَاهِدًا لَهُ وَلِأَصْلِهِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سوره دون الثلاث مائة ذراع صحت صلاته وصلات مَنِ اتَّصَلَ بِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءً وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ مَنْ يُقَدِّمُهُ إِمَامُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إِذَا لَمْ يُشَاهِدِ الْمَسْجِدَ صَارَ تَابِعًا لِمَنْ شَاهَدَهُ، فَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَى مَتْبُوعِهِ كَانَ كَالْمُتَقَدِّمِ عَلَى إِمَامِهِ فَلَوِ اتَّصَلَ الصَّفُّ عَنْ يَمِينِهِ أَمْيَالًا وَيَسَارِهِ أَمْيَالًا وَوَرَاءَهُ أَمْيَالًا صَحَّتْ صَلَاةُ جَمِيعِهِمْ مَا لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ حَائِلٌ مِنْ سُتْرَةٍ أَوْ جِدَارٍ، وَلَا يَبْعُدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمْ حَائِلٌ فصلات مَنْ وَرَاءَ الْحَائِلِ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ بَعُدَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ فَصَلَاةُ الْمُنْقَطِعِ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ وَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنْ أَوَاخِرِ الصُّفُوفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>