للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ الْحُكَّامُ بِالْيَمَنِ، وَهَذَا إِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ فِيمَا تُغَلَّظُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ.

فَأَمَّا إِحْلَافُهُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَمَا يَعْظُمُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا يَجُوزُ، لِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنَا أَقُولُ: وَذِمَّةِ الْخَطَّابِ، فَضَرَبَ كَتِفِي وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كان حالفا، فليحلف بالله أو فليصمت ". قال عمر: فما حلفت بها بعد ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَاهِدًا، وَلَا نَاسِيًا.

وَالثَّانِي: قَائِلًا وَلَا حَاكِيًا.

فَإِنْ أَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ الْيَمِينِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا نَذْرٍ، لِأَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْيَمِينِ إِلَى إِيقَاعِ فُرْقَةٍ، وَالْتِزَامِ غُرْمٍ، وَهُوَ مُسْتَبْدَعٌ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

(رَأَيْتُ كُلَيْبًا أَحْدَثَتْ فِي قَضَائِهَا ... طَلَاقَ نِسَاءٍ لَمْ يَسُوقُوا لَهَا مَهْرًا)

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامُ أَنَّ حَاكِمًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَزَلَهُ عَنِ الْحُكْمِ، لأنه جاهل. والله أعلم بالصواب.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْيَمِينُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَكَانَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً "؟ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ وَهَذَا تجويزا لِلْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ فِي طَلَاقِ الْبَتَّةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا وَجَبَتِ الْيَمِينُ على خصم في نفي أو إثبات، فعجلها عِنْدَ الْحَاكِمِ قَبْلَ اسْتِحْلَافِهِ، لَمْ تُجْزِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ، وَاسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ سَمَاعُهَا مِنْهُ؛ لِأُمُورٍ مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ رُكَانَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ، وَوَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً "؟ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهَا قَبْلَ اسْتِحْلَافِهِ.

ولأن من شرط اليمين استيفاء الحاكم لها، لِتَكُونَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ دُونَ الْحَالِفِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْدُومٌ فِي الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ.

وَلِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بَعْدَ نَظَرِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ، فَكَانَ تَقْدِيمُهَا فِي مَجْلِسِهَا كَتَقْدِيمِهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>