للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب الامتناع من اليمين)]

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى غَيْرَ دَمٍ فِي مَالٍ أحلف المدعى عليه فإن حلف برىء وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ فَإِنْ أَبَيْتَ سَأَلْنَاكَ عَنْ إِبَائِكَ فَإِنْ كَانَ لِتَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِتَنْظُرَ فِي حِسَابِكَ تَرَكْنَاكَ وَإِنْ قُلْتَ لَا أُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّى لَا أَحْلِفُ أَبْطَلْنَا أَنْ تَحْلِفَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ دَمٍ، لِأَنَّ دَعْوَى الدَّمِ مُخَالِفَةٌ لِدَعْوَى الْمَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ اللَّوْثِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ فِي الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا.

وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُمْتَنِعَانِ فِي دَعْوَى الْأَمْوَالِ.

فَإِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى فِي مَالٍ، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

قِيلَ لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ أَقَامَهَا حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَلَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْحَضْرَمِيِّ لَمَّا تَحَاكَمَ إِلَيْهِ مَعَ الْكِنْدِيِّ: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: لَكَ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ ". فَقَدَّمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُحْتَجِّ بِهَا، فَانْتَفَتِ التُّهْمَةُ عَنْهَا، وَالْيَمِينُ صَادِرَةٌ عَنِ الْمُحْتَجِّ بِهَا فَتَوَجَّهَتِ التُّهْمَةُ إِلَيْهَا، وَمَا عُدِمَتِ التُّهْمَةُ فِيهِ أَقْوَى مِمَّا تَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ.

وَتَقْدِيمُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَوْلُ اثْنَيْنِ، وَالْيَمِينَ قَوْلُ وَاحِدٍ، وَقَوْلُ الِاثْنَيْنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوَاحِدِ.

فَإِنْ لَمْ يُقِمِ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنَ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الدَّعْوَى إِنْ كَانَتْ فِي دَيْنٍ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ فِي عَيْنٍ بِيَدِهِ دَلَّتِ الْيَدُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى مِلْكِهِ، وَقِيلَ لِلْمُدَّعِي: قَدْ وَجَبَتْ لَكَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَأَنْتَ فِي اسْتِقْضَائِهَا عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ أَعْفَاهُ أَمْسَكَ عَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>