للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ.

إِذَا نَكَلَ الْمُنْكِرُ عَنِ الْيَمِينِ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي، فَيَسْتَحِقَّ الدَّعْوَى بِيَمِينِهِ لَا بِنُكُولِ خَصْمِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَيْسَ النُّكُولُ إِقْرَارًا مِنْهُ بِالْحَقِّ، وَلَا بَيِّنَةً لِلْمُدَّعِي، فَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ ".

وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ النُّكُولُ وَاحِدًا مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْحُكَّامِ.

وَسَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى فِيمَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ، وَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ، أَوْ كَانَتْ فِيمَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَالْأَمْوَالِ أَوْ مَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ الْمَالَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي مَالٍ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ رَدَدْتُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْقَتْلِ حَبَسْتُهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ، بَعْدَ أَنْ أَقُولَ لَهُ ثَلَاثًا: إِنْ حَلَفْتَ، وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ، وَلَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ فِي النُّكُولِ.

وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ، فَحَكَمَ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالْقَوَدِ.

وَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَسَبٍ لَمْ أُوجِبْ عَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينَ، وَلَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ.

وَلِوُجُوبِ الْأَيْمَانِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى مَوْضِعٌ يَأْتِي، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُخْتَصٌّ بِالنُّكُولِ عَنِ الْيَمِينِ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُنْكِرِ، هَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ عَنْهَا؟

وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، بِبِنَائِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُنْقَلَ إِلَى الْمُدَّعِي، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْضَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَكَانَتِ الدَّلَائِلُ مُشْتَرِكَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْحَضْرَمِيِّ حِينَ أَنْكَرَهُ الْكِنْدِيُّ: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَكَ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ "، فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ بَيِّنَتُهُ أَوْ يَمِينُ خَصْمِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَا حَقَّ لَهُ فِي يَمِينِ نَفْسِهِ قَالُوا: وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ لِلْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُنْقَلَ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ إِلَى الْمُدَّعِي لَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْقِلَ حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَمِينُ إِلَى الْمُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>