للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْحَضْرَمِيِّ: " لَكَ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ ". فَهُوَ أَنَّ خَصْمَهُ كَانَ بَاذِلًا لِلْيَمِينِ، وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ مَعَ بَذْلِ الْيَمِينِ إِلَّا الْيَمِينُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْبَيِّنَةِ، فَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، فَلَمْ تُنْقَلْ إِلَى جَنَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَنْفِي بِهَا، وَلَا يُثْبِتُ، وَالْيَمِينُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا، فَجَازَ نَقْلُهَا عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَنْفِ بِهَا إِلَى الْمُدَّعِي لِيُثْبِتَ بِهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي مِنْ قَوْلِهِ كَالدَّعْوَى، فَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ تُخَالِفُ الْقَوْلَ، كَمَا أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. تُخَالِفُ الْإِنْكَارَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِنْكَارُ حُجَّةً، فَصَارَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ حُجَّةً.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى تَكْرَارِ الدَّعْوَى مِرَارًا، فَهُوَ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِنْكَارِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ تَكْرَارُ الدَّعْوَى حُجَّةً لِلْمُدَّعِي، وَلَمَّا كَانَتِ الْيَمِينُ حُجَّةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النُّكُولَ عَنِ الْيَمِينِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحَقِّ، فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا أَمْكَنَ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي.

فَأَمَّا مَا تَعَذَّرَ فِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ، وَلَهُمَا نَظَائِرُ، خَرَّجَ الْحُكْمَ فِيهَا بِالنُّكُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيمَنْ مَاتَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ، إِلَّا كَافَّةُ الْمُسْلِمِينَ، فَظَهَرَ فِي حِسَابِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ أَنْكَرَهُ، وَنَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَمْ تَكْمُلْ بِهِ الْبَيِّنَةُ إِلَّا مَعَ يَمِينٍ، فَالْيَمِينُ هَاهُنَا فِي الرَّدِّ وَمَعَ الشَّاهِدِ مُتَعَذِّرَةٌ، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ كَافَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِحْلَافُهُمْ جَمِيعُهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِحْلَافُ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَالْإِمَامُ وَإِنْ تَعَيَّنَ فِي الْمُطَالَبَةِ، فَهُوَ نَائِبٌ، وَالنِّيَابَةُ فِي الْأَيْمَانِ لَا تَصِحُّ.

وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْأَيْمَانِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَفِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ:

أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِمْكَانِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ اعْتِبَارًا بِمُوجَبِ الْأَصْلِ، الَّذِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ، فَهَذِهِ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ مَيِّتَهُمْ وَصَّى إِلَيْهِ بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>