للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ الْبَتَّةَ كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِسَتْرِهِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ ". وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ "، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ، وَلِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ خَصْمٍ فِي حَقِّهِ أَوْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى.

فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالزِّنَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَالْقَاذِفِ بِالزِّنَا إِذَا طُولِبَ بِالْحَدِّ، فَقَالَ: أَنَا صَادِقٌ فِي قَذْفِهِ بِالزِّنَا، وَادَّعَاهُ عَلَى الْمَقْذُوفِ سُمِعَتْ حِينَئِذٍ هَذِهِ الدَّعْوَى، لِيَكُونَ الْإِقْرَارُ بِهِ مُسْقِطًا لِحَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَقْذُوفُ أُحْلِفَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْقَاذِفِ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ، وَلَمْ يَجِبْ بِيَمِينِهِ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، لِسَرِقَةٍ تُوجِبُ الْغُرْمَ، وَهُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَالْقَطْعُ، وَهُوَ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ سَقَطَ الْغُرْمُ بِتَحْلِيلٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى فِيهِ حِينَئِذٍ وَسَقَطَ وُجُوبُ الْيَمِينِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْغُرْمُ بَاقِيًا صَحَّتْ فِيهِ الدَّعْوَى، وَوَجَبَتْ فِيهِ الْيَمِينُ فَإِنْ نَكَلَ السَّارِقُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ اسْتَحَقَّ الْغُرْمَ، وَلَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ، لِأَنَّ الْغُرْمَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَالْقَطْعَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَجْرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ انْفِرَادِهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالِاجْتِمَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>