للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١] . وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الِارْتِيَابِ وَالتُّهْمَةِ.

وَقَالُوا: وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لَا يَحْجُبُ مِنَ الْإِرْثِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يُسْتَحَقُّ بِنَسَبٍ وَسَبَبٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْأَنْسَابِ مَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَسْبَابِ مَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.

وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُورِثُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ كَالنَّسَبِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي الْمَقَامِ وَالظَّعْنِ وَامْتِزَاجَهُمَا فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَاخْتِصَاصَهُمَا بِالْمَيْلِ وَالْمَحَبَّةِ، قَدْ جَمَعَ مِنْ أَسْبَابِ الِارْتِيَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ. فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ بِهِ الشَّهَادَةُ.

وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَرَوَى مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفْلَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَسُوقُ امْرَأَةً عَلَى حِمَارٍ فَنَخَسَهَا فَرَمَى بِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا. وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ.

وَقَالَ سُوِيدُ بْنُ غَفْلَةَ: إِنَّهُ لَأَوَّلُ مَصْلُوبٍ صُلِبَ بِالشَّامِ.

وَلَيْسَ لِعُمَرَ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ مَعَ انْتِشَارِ الْقِصَّةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ لَا مُخَالِفَ لَهُ وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا صِلَةً لَا تُوجِبُ الْعِتْقَ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، كَالْعَشِيرَةِ وَلِأَنَّهَا حُرْمَةٌ حَدَثَتْ عَنْ صِلَةٍ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فآباء الزَّوْجَيْنِ وَأَبْنَائِهِمَا وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَمْ يُوجِبْ رَدَّ الشَّهَادَةِ كَالْإِجَارَةِ.

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْبَيْعِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورحمة} . فَهُوَ أَنَّ الْمَوَدَّةَ لَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ كالأخوين وعلى أنه قد يحدث بينما تَبَاغُضٌ وَعَدَاوَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْأَجَانِبِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى عِلَّةً فِي الْمَنْعِ لَفُرِّقَ بَيْنَ الْمُتَحَابِّينَ وَالْمُتَبَاغِضِينَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيلِهِمْ بِعَدَمِ الْحَجْبِ عَنِ الْمِيرَاثِ، قِيَاسًا عَلَى الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فَلَيْسَ عَدَمُ الْحَجْبِ عَنِ الْمِيرَاثِ عِلَّةً فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّنَا نَرُدُّ شَهَادَةَ مَنْ لَا يرث من

<<  <  ج: ص:  >  >>