للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَةِ أَهْلِ الْحَقِّ فِيهَا يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ مَنْ يُغَلِّظُ الْمَعَاصِي مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ بِهَا مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يُخَفِّفُهَا.

فَصَارَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُفْضِيًا إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لِسِتَّةِ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَا انْتَحَلُوهُ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إِجْمَاعٌ مُنْعَقِدٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُفْضِيَ إِلَى الْقَدْحِ فِي الصَّحَابَةِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَابِذَ فِيهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يَرَى تَصْدِيقَ مُوافِقِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ.

وَالسَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُمْ مَرْضِيَّةً، وَتَحَفُّظُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ ظَاهِرٌ فَهَذَا حُكْمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْآرَاءِ وَالنِّحَلِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي أَحْكَامِ الْفُرُوعِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا ضَلَّ بِهِ.

وَالثَّانِي: مَا أَخْطَأَ فِيهِ.

وَالثَّالِثُ: مَا سَاغَ لَهُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا ضَلَّ بِهِ، فَهُوَ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ إِجْمَاعَ الْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَأَنْ لَا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، فَالْمُخَالِفُ فِيهِ ضَالٌّ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ: فَهُوَ مَا شَذَّ الْخِلَافُ فِيهِ وَعَدَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُ، كَاسْتِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ، وَبَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ نَقْدًا، وَمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ " فِي الْوُضُوءِ ".

وَقَطْعِ [يَدِ] السَّارِقِ مِنَ الْمَنْكِبِ، فَهَذَا خِلَافٌ شَذَّ قَائِلُهُ، وَظَهَرَ فِيهِ خَطَؤُهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مَنْسُوخٍ كَالْمُتْعَةِ، وَبَيْنَ مَا تَوَالَى فِيهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ كَالرِّبَا فِي النَّقْدِ وَالنِّسَاءِ. وَبَيْنَ مَا ضَعُفَ فِيهِ التَّأْوِيلُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ وَقَطْعِ السَّارِقِ مِنَ الْمَنْكِبِ، فَحُكِمَ بِخَطَئِهِ لِظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدَّ الضَّلَالِ لِلشُّبْهَةِ الْمُعْتَرِضَةِ فِي احْتِمَالِهِ، فَيَكُونُ الْمُخَالِفُ فِيهِ على عدالته وقبول شَهَادَتَهُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا سَاغَ الْخِلَافُ فِيهِ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ فَهُوَ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَاكِحِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدٌّ وَكَانَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يَتَبَايَنُ فِيهِ الْمُخْتَلِفُونَ، وَلَا يَتَنَابَذُ فِيهِ الْمُتَنَازِعُونَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>