للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ أَوَّلِ النَّاسِ إِسْلَامًا فَقَالَ: أبو بكر أنا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ.

(إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا)

(خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا ... إِلَّا النَبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا)

(الثَانِيَ اثْنَيْنِ وَالْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا)

وَحَبَسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحُطَيْئَةَ الشَّاعِرَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَبْسِ شِعْرًا يَقُولُ فِيهِ:

(مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَخٍ ... حُمْرِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ)

(أَلْقَيْتَ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ ... فَاغْفِرْ عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ)

(أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ ... أَلْقَتْ عَلَيْكَ مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشَرُ)

(مَا يُؤْثِرُوكَ بها إذا قَدَّمُوكَ لَهَا ... لَكِنْ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِكَ الْأَثَرُ)

فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ هَذَا الشِّعْرُ أَطْلَقَهُ وَقَالَ: إِنَّ الشِّعْرَ لِيَسْتَنْزِلُ الْكَرِيمَ.

فَإِذَا كَانَ الشِّعْرُ فِي الصَّحَابَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَكَانَ الشُّعَرَاءُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ جَرْحًا فِي قَائِلِهِ وَلَا مُنْشِدِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ مُنْكِرًا وَلَا يُقِرُّونَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ مَرَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ يُنْشِدُ شِعْرَهُ أَحْدَاثًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَتُعْرِضُونَ عَنْهُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُقْبِلُ عَلَيْهِ إِذَا أَنْشَدَهُ فَنَهَضَ حَسَّانُ وَقَبَّلَ يَدَ الزُّبَيْرِ.

وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنْ قَوْمًا يَكْرَهُونَ إِنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: هَؤُلَاءِ يَنْسُكُونَ نُسْكًا أَعْجَمِيًّا.

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ سَيْفٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ، وَقَالَ: سَأَلَتْهُ أَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَيُصْدِقَهَا شِعْرًا؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

(يَوَدُّ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ ... وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا أَرَادَا)

(يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا أَفَادَا)

جَازَ فَدَلَّ مَا وَصَفْنَا، وَإِنَّ مَعَ الْإِطَالَةِ بِيَسِيرٍ، أَنَّ إِنْشَاءَ الشِّعْرِ وَإِنْشَادَهُ مُبَاحٌ، وَإِنْشَاءُ الشِّعْرِ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ. وَإِنْشَادُهُ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>