للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي بَعْضِهَا، وَلَيْسَ مَعَ الْمُقِرِّ إِلَّا نِصْفُهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مِنَ الدَّيْنِ إِلَّا نِصْفُهُ كَالْمُقِرَّيْنِ.

وَلَوْ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَخِيهِ، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ تَحْمُّلَ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَفِي مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ فِي قَبُولِهَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الدَّيْنِ إِلَّا قَدْرُ حَقِّهِ لِتَسْلَمَ شَهَادَتُهُ عَنْ جَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ.

وَلِأَنَّ أَحَدَ الِابْنَيْنِ لَوِ ادَّعَى دَيْنًا لِأَبِيهِ عَلَى مُنْكِرٍ، فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَحَلِفَ، لَمْ يَسْتَحِقْ مِنَ الدَّيْنِ إِلَّا نِصْفَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا نِصْفُهُ، لِأَنَّ مَا لِلْأَبِ مِنَ الدَّيْنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ.

وَالْأَصَحُّ مِنْ إِطْلَاقِهَا عِنْدِي، أَنْ يَنْظَرَ فِي التَّرِكَةِ. فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمْ لَهَا الِابْنَانِ حَتَّى أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّيْنِ، قَضَى جَمِيعَهُ مِنْهَا، فَكَانَ مَحْسُوبًا مِنْ حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُنْكِرِ.

وَإِنِ اقْتَسَمَ الِابْنَانِ التَّرِكَةَ، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّيْنِ. لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهُ إِلَّا نِصْفُهُ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مُعْتَرِفٌ بِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الدَّيْنِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ.

فَصَارَ قبل القسمة مقرا بجمعه وَبَعْدَ أَخْذِ النِّصْفِ بِالْقِسْمَةِ مُقِرًّا بِنِصْفِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرُّ مِنَ الدَّيْنِ إِلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الدَّيْنِ. وَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُخَاصِمًا لِلْمُنْكِرِ فِي بَقِيَّةِ دَيْنِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ، لَمْ يُؤْخَذْ بِدَفْعِ جَمِيعِهِ إِلَّا بَعْدَ إِحْلَافِ أَخِيهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، فَإِذَا حَلَفَ أُخِذَ مِنَ الْمُقِرِّ حِينَئِذٍ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَصَارَ الْمُقِرُّ خَصْمًا لِأَخِيهِ الْمُنْكِرِ لِيَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ عَلَيْهَا إِنِ اسْتَدَامَ الْإِنْكَارَ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ فِي حَقِّ أَخِيهِ بِالْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، لِاخْتِلَافِ مُسْتَحِقِّيهَا. كَمَا لَوْ أَدَّى أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ دَيْنًا عَلَى مُنْكِرٍ وَأَحْلَفُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْأَخِ الْآخَرِ مِنْ إِحْلَافِهِ.

( [الْقَوْلُ فِي إِقْرَارِ الْوَارِثِ بالوصية] )

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى فِي وَصِيَّةٍ اعْتَرَفَ بِهَا أَحَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>