للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا سَأَلَهُمُ الْحَاكِمُ: " كَيْفَ زَنَى؟ وَلَمْ يَحُدَّهُ قَبْلَ صِفَةِ الزِّنَا.

وَلِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ مَنْ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا: كَيْفَ زَنَى؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ مَعَ شِبْلِ بْنِ مَعْبَدٍ وَنَافِعٍ: رَأَيْنَا ذَكَرَهُ يَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا كَدُخُولِ الْمِرْوَدِ فِي الْمِكْحَلَةِ.

وَعُرِضَ زِيَادٌ، وَهُوَ الرَّابِعُ فَقَالَ رَأَيْتُ بَطْنَهُ عَلَى بَطْنِهَا، وَرَأَيْتُ أَرْجُلًا مُخْتَلِفَةً وَنَفَسًا يَعْلُو وَاسْتًا تَنْبُو، فَقَالَ عُمَرُ: رَأَيْتَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ عمر: الحمد لله قم يا أرخى اجْلِدْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ. فَجَلَدَهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ، فَلَمْ يَجْلِدِ الْمُغِيرَةَ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ لَمْ تَكْمُلْ، وَلَمْ يَجْلِدْ زِيَادًا لِلْقَذْفِ، لِأَنَّهُ عَرَّضَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، اعْتُبِرَ مَا وَصَفَهُ الشُّهُودُ.

فَإِنْ صَرَّحُوا بِدُخُولِ ذَكَرِهُ فِي فرجها، كملت بهم الشهادة، وحد الشهود عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا، وَسَلِمَ الشُّهُودُ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ.

وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا جَمِيعًا بِدُخُولِ ذَكَرِهِ فِي فَرْجِهَا، فَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الشُّهُودُ، فَإِنْ قَالُوا فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ، إِنَّهُ زَنَى وَوَصَفُوا مَا لَيْسَ بِزِنًا، حُدُّوا حَدًّا وَاحِدًا.

لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِالْقَذْفِ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالزِّنَا.

وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ إنَّهُ زَنَى وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِمَا لَيْسَ بِزِنًا، لَمْ يُحَدُّوا قَوْلًا وَاحِدًا.

وَإِنْ وَصَفَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمُ الزِّنَا، وَوَصَفَ الرَّابِعُ مَا لَيْسَ بزنا، لم يحد الشهود عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بِالزِّنَا لَمْ تَكْمُلْ، وَفِي حَدِّ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ وَصَفُوا الزِّنَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُحَدُّونَ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّهُمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا قَذَفَةً.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُحَدُّونَ، لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا وَلَمْ يَقْصِدُوا الْمَعَرَّةَ بِالْقَذْفِ.

فَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، وَقُبِلَ خَبَرُهُمْ قَبْلَ التوبة، لأن أبا بكر حِينَ حُدَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ، فَامْتَنَعَ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ زَنَى الْمُغِيرَةُ، فَهَمَّ بِجَلْدِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ إِنْ جَلَدْتَهُ رَجَمْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>