للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يبتدىء بَعْضُ الشُّهُودِ بِذِكْرِهِ، فَيُسْأَلُ الْبَاقُونَ عَنْهُ لِيُعْلَمَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ مُوَافَقَةٍ وَاخْتِلَافٍ.

( [الْقَوْلُ فِي مَوْتِ الشُّهُودِ قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ] )

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ مَاتَ الشُّهُودُ قَبْلَ أَنْ يُعَدَّلُوا ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ: إِذَا مَاتَ الشُّهُودُ قَبْلَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ ثُمَّ عُدِّلُوا بَعْدَ مَوْتِهِمْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ فِي الْحَدِّ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي غَيْرِ الْحَدِّ وَلَا أَحْكُمُ بِهَا فِي الْحَدِّ. لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَبْدَأُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ الشُّهُودُ.

وَمَذْهَبُنَا إِنَّ شُهُودَ الْحَدِّ كَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْحَدَّ كَغَيْرِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلَا يَكُونُ مَوْتُ الشُّهُودِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ مَانِعًا مِنَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تُوجِبُ الْأَدَاءَ وَلَيْسَ مَوْتُهُمْ مُسْقِطًا لَهَا فِسْقًا طَرَأَ وَلَوْ وَجَبَ سُقُوطُ شَهَادَتِهِمْ لَوَجَبَ سُقُوطُهَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ فَأَمَّا حُدُوثُ الْفِسْقِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَمُوجِبٌ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَظَاهَرُونَ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَيُسِرُّونَ فِعْلَ الْمَعَاصِي، فَإِذَا ظَهَرَتْ دَلَّ ظُهُورُهَا عَلَى تَقَدُّمِ كُمُونِهَا.

وَأَمَّا حُدُوثُ الْخَرَسِ وَالْعَمَى بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَغَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْحُكْمِ بِهَا، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُدُوثِهِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِهِ مَقْطُوعٌ بِهِ.

وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ مَنْ حَدَثَ بِهِ الْعَمَى، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِمْضَائِهِ بِشَهَادَةِ مَنْ حَدَثَ بِهِ الْخَرَسُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَيَطْرُدَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَجُرِحَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَقَدْ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمْ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِ حَدٍّ، وَقَدَحَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي عَدَالَتِهِمْ مَكَّنَهُ الْحَاكِمُ مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِجَرْحِهِمْ، لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِقَصْدِ الْكَشْفِ عَنْ جُرْحِهِمْ مَا يَقْصُرُ زَمَانُ الْحَاكِمِ عَنِ التَّشَاغُلِ بِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِجَرْحِهِمْ أَسْقَطَ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا أَمْضَى الْحَاكِمُ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يُضَيِّقْ عَلَيْهِ الزَّمَانَ فِي طَلَبِ الْجُرْحِ فَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوَسِّعْ لَهُ الزَّمَانَ فَيُؤَخِّرَ الْحُكْمَ، وَتَكُونُ مُدَّةُ إِمْهَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِأَنَّها أَكْثَرُ الْقَلِيلِ وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>