للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ مَا زَنَيْتَ، وَلَا سَرَقْتُ، وَلَا شَرِبْتُ. أَوْ يَقُولُ لَهُ: أَنْكِرْ وَلَا تُقِرَّ، لِحَظْرِ التَّصْرِيحِ فِي إِسْقَاطِ الْحُدُودِ، لِأَنَّه قَدْ يُلَقِّنُهُ الْكَذِبَ. وَيَأْمُرُهُ بِهِ.

فَأَمَّا تَعْرِيضُ الْحَاكِمِ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الشَّهَادَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: -

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّه يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ ".

وَقَالَ عُمَرُ لِزِيَادٍ حِينَ حَضَرَ لِشَهَادَتِهِ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا: أَيُّهُمَا يَا سَلْحَ الْعُقَابِ أَرْجُو أَنْ لَا يَفْضَحَ اللَّهُ عَلَى يَدِكَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنَبَّهَ عَلَى تَعْرِيضِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي شَهَادَتِهِ بِدُخُولِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، فَلَمْ تَكْمُلْ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا.

وَهَذَا التَّعْرِيضُ بِالْإِنْكَارِ جَائِزٌ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ، وَهُوَ حَسَبُ رَأْيِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ أَرَ بَأْسًا بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرَّضَ لِمَاعِزٍ وَلَمْ يُعَرِّضْ لِلْغَامِدِيَّةِ. وَقَالَ: " اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " فَعَرَّضَ فِي الْأَقَلِّ وَلَمْ يَعْرِّضْ فِي الْأَكْثَرِ.

فَإِنْ نَبَّهَ بِالتَّعْرِيضِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَأَنْكَرَ، فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إِقْرَارٌ، قُبِلَ إِنْكَارِهِ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَلَمْ يُسْتَحْلَفْ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ قَبْلَ الْإِنْكَارِ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ غُرْمُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، وَفِي سُقُوطِ قَطْعِ الْيَدِ وَحَدِّ الْخَمْرِ قَوْلَانِ. يَسْقُطُ فِي أَصَحِّهِمَا، وَلَا يَسْقُطُ فِي الْآخَرِ.

( [الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ] )

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ كَبْشًا لِفُلَانٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا غُدْوَةً وَقَالَ الْآخَرُ عَشِيَّةً أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْكَبْشُ أَبْيَضُ وَقَالَ الْآخَرُ أَسْوَدُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَجْتَمِعَا وَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَيُّهُمَا شَاءَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي صُورَةِ الشَّهَادَةِ، فَرَوَاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ كِيسًا، إِشَارَةً إِلَى كِيسِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

وَرَوَاهَا أَكْثَرُهُمْ إِنَّهُمَا شَهْدَا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ كَبْشًا، إِشَارَةً إِلَى كبش الغنم، وهذه الرواية أصح لأمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>