للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْكُوفَةِ لَمْ تُكْمُلْ بِهِمَا شَهَادَةُ الْقَذْفِ، لِأَنَّهمَا قَذْفَانِ لَمْ يَشْهَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ، وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْقَذْفَ حَدٌّ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَذَفَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى سَمَاعِ الْقَذْفِ، فَهِيَ شَهَادَةٌ عَلَى قَذْفَيْنِ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى إِقْرَارِ الْقَاذِفِ، أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَقَرَّ عِنْدَ الْآخَرِ أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا قَذْفَانِ لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَقَرَّ عِنْدِي أنه قذفهما بالبصرة، وقال الآخر: أنه أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَذَفَهُمَا بِالْكُوفَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الشَّهَادَةَ كَامِلَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ مَعَ اخْتِلَافِ الْبَلَدَيْنِ وَاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ.

وَلَا أَجِدُ لِهَذَا الْوَجْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَجْهًا.

وَلَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْكُوفَةِ. فَإِنْ كَانَ قَتْلٌ عَمْدًا فَالشَّهَادَةُ مَطْرُوحَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَتْلٌ خَطَأٌ فَفِي تَعَارُضِهِمَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ.

وَالثَّانِي: يَحْلِفُ مَعَ أَيِّهِمَا شَاءَ.

( [الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الْبَيِّنَاتِ فِي قيمة المسروق] )

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبَ كَذَا وَقِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَلَا قَطْعَ وَهَذَا مِنْ أَقْوَى مَا تُدْرَأُ بِهِ الْحُدُودِ وَيَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ الْقِيَمَتَيْنِ فِي الْغُرْمِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَاتَانِ بَيِّنَتَانِ اتَّفَقَتَا عَلَى سَرِقَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ وَاخْتَلَفَتَا فِي قِيمَتِهِ، فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ قِيمَتَهُ رُبُعُ دِينَارٍ " تُقْطَعُ فيه اليد "، وشهد اثنان أن قيمته سدس دِينَارٍ لَا تَقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ، فَلَا تَعَارُضَ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا فِي الْقِيمَتَيْنِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ وَاحِدٌ، قَدِ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَتَانِ، وَالْقَيِّمَةُ عن اجتهاد، اختلفت في الْبَيِّنَتَانِ، وَلِاخْتِلَافِهِمَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ لَا يُوجِبُ رَدَّهُمَا بِهِ.

فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اخْتِلَافِهِمَا، هَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِأَكْثَرِهِمَا أَوْ بِأَقَلِّهِمَا فِي الْغُرْمِ وَالْقَطْعِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>