للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يُؤْخَذُ بِأَقَلِّهِمَا فِي الْغُرْمِ وَسُقُوطِ القطع، استعمالا للبينة الشاهدة أن قيمته سدسي دِينَارٍ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ وَلَا يَغْرَمُ الزِّيَادَةَ على السدسي.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخُذُ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فِي الْغُرْمِ وَوُجُوبِ الْقَطْعِ.

وَأَحْسَبُ أَنَّ مَالِكًا يَأْخُذُ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فِي الْغُرْمِ وَالنَّاقِصَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ عَمِلَ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا عَمِلَ فِي الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ النُّقْصَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي الْبَيِّنَاتِ. لِأَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ.

وَالثَّانِي: إِنَّ النقصان داخل في الزيادة فلم ينافيها فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إِقْرَارِهِ بِأَلْفَيْنِ دُونَ الْأَلْفِ بِأَلْفٍ لِدُخُولِ الْأَلْفِ فِي الْأَلْفَيْنِ. وَدَلِيلُنَا شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ النُّقْصَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، لِأَنَّ مِنْ قَوَّمَهُ بِالرُّبُعِ أَثْبَتَهَا وَمَنْ قَوَّمَهُ بِالسُّدُسِ نَفَاهَا، فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِالْمُخْتَلِفِ فِيهِ. وَخَالَفَ الْعَمَلُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَخْبَارِ لِأَنَّ مَنْ رَوَى النَّاقِصَ لَمْ يَنْفِ الزِّيَادَةَ.

لِأَنَّ بِلَالًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَخَلَ الْبَيْتَ.

وَرَوَى أُسَامَةُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى عَمَلَ بِالزِّيَادَةِ فِي صَلَاتِهِ وَبَعْدَ دُخُولِهِ لِأَنَّ بِلَالًا لَمْ يَقُلْ دَخْلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَصِلْ، فَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ بِالنُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَعَمَلَ فِي الْأَخْبَارِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ النُّقْصَانِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ النُّقْصَانَ يَقِينٌ، وَالزِّيَادَةُ شَكٌّ. وَقَدْ أُثْبِتَتْ فِي إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ وَبَقِيَتْ فِي الْأُخْرَى فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ دُونَ الشَّكِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَخَالَفَ الشَّهَادَةَ بِأَلْفٍ وَالشَّهَادَةَ بِأَلْفَيْنِ، لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْأَلْفَ لَمْ يَنْفِ الْأَلْفَيْنِ.

(فَصْلٌ)

: إِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ الْمَسْرُوقِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ قِيمَتَهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ قِيمَتَهُ سُدُسُ دِينَارٍ، فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى السُّدُسِ وَتَمَّتِ الشَّهَادَةُ بِهِ. وَاخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَهَا أَحَدُهُمَا وَنَفَاهَا الْآخَرُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَسْقُطُ فِيهَا قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَهَا بِقَوْلِ مَنْ نَفَاهَا، وَيَمْنَعُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِهَا وَيَسْتَحِقَّهَا، كَمَا لَوْ أَثْبَتَهَا شَاهِدَانِ وَنَفَاهَا شَاهِدَانِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَسْقُطُ قَوْلُ مَنْ أُثْبِتُهَا بِقَوْلِ مَنْ نَفَاهَا بِخِلَافِ إِثْبَاتِهَا بِشَاهِدَيْنِ وَنَفْيِهَا بِشَاهِدِينِ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِهَا وَيَسْتَحِقُّهَا، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>