للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بَاقٍ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ، وَقَدْ أَبْطَلُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي الْحَالَتَيْنِ فَضَمَّنُوهُ فِيهَا.

وَدَلِيلٌ ثَانٍ: أَنَّ الْإِحَالَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبِضْعِ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى خُلُوِّ الْعَقْدِ مِنْ مَهْرٍ، فَهُوَ مُوجِبٌ لِضَمَانِ الْمَهْرِ، كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ ضَمِنَتِ الْكَبِيرَةُ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ.

وَقَدْ وَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ إِذَا قَصَدَتِ الْكَبِيرَةُ تَحْرِيمَ الصَّغِيرَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَبِفِعْلِ الْكَبِيرَةِ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُهَا.

قِيلَ: لِأَنَّه لَوْ لَزِمَهَا مَهْرُهَا، لَأَفْضَى إِلَى خُلُوِّ الْعَقْدِ مِنْ مَهْرِهَا، وَلَا يُفْضِي هَذَا إِلَى خُلُوِّ عَقْدِ الصَّغِيرَةِ مِنْ مَهْرِهَا، فَلِذَلِكَ ضَمِنَتِ الْكَبِيرَةُ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ، وَلَمْ تَضْمَنْ مَهْرَ نَفْسِهَا.

فَإِنْ قِيلَ بَعْدَ هَذَا: لو قتلها لَضَمِنَتْ دِيَتَهَا، وَلَا تَضْمَنُ مَهْرَهَا.

قِيلَ: ضَمَانُ الْمَنَافِعِ تَسْقُطُ بِضَمَانِ أَعْيَانِهَا، فَأَوْجَبَ ضَمَانُ دِيَتِهَا سُقُوطَ مَهْرِهَا.

وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِدُخُولِ الْبِضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ قِيمَةٌ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ لِخُرُوجِهِ عن ملكه قيمة بما ذكروه ودللنا عَلَيْهِ بِجَوَازِ الْخُلْعِ عَلَى الْبِضْعِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ.

ثُمَّ نُجِيبُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَالًا لَكَانَتْ مِنْ ثُلُثِهِ لِعِتْقِهِ، فَهُوَ إِنَّنَا نَعْتَبِرُ مَا كَانَ مُنْتَقِلًا إِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالزَّوْجَةُ لَا تَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ.

فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ بِضْعُهَا مِلْكًا لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ لَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ تَكُنْ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا، لِأَنَّها لَا تَنْتَقِلُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَهَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَقَدْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِتَرِكَتِهِ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، لِأَنَّها لَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْغُرَمَاءِ كَعِتْقِ أَمِ الْوَلَدِ، وَخَالَفَ عِتْقُ الْعَبْدِ الْقِنِّ الَّذِي يُصْرَفُ فِي دُيُونِهِ لَوْ لَمْ يُعْتَقْ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذْ قَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ مَنْ أَثْبَتَ الْغُرْمَ وَنَفَاهُ، فَالَّذِي أَرَاهُ أَوْلَى مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ إِنَّ الشَّهَادَةَ بِهَذَا الطَّلَاقِ الْكَاذِبِ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ. وَيَجُوزُ لَهُمَا الِاجْتِمَاعُ بَعْدَهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِنَا فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ لَا يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>