للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْقَصْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمَيْنِ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَحْدُودٌ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ حَدِّهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالسَّفَرِ وَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، فَكَانَ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لُحُوقُ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ وَعَدَمُهَا فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ لَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ غَالِبًا، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَصْرُ، فَأَمَّا عُمُومُ الْآيَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السَّفَرِ الْمَحْدُودِ بِدَلِيلِنَا

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا، وَإِنَّمَا قَصَرَ فِي الْفَرْسَخِ الْأَوَّلِ لِيُعْلَمَ جَوَازُهُ قَبْلَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمَحْدُودَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِلرِّوَايَتَيْنِ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ سَفَرَ الْقَصْرِ مَحْدُودٌ فَحَدُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، لِأَنَّ الْبَرِيدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَهُوَ ثمانية وأربعون ميلاً، لأن الْفَرْسَخَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، وَذَلِكَ عَلَى سَيْرِ النَّقْلِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ مَسَافَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَيْرًا مُتَّصِلًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعَانٍ متفقة، فقال في هذا الموضوع سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ يُرِيدُ إِذَا لَمْ يُعَدَّ الْمِيلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْمِيلُ فِي الِانْتِهَاءِ

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ أَرْبَعِينَ مِيلًا يُرِيدُ أَمْيَالَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَالَ فِي " الْإِمْلَاءِ " لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ يُرِيدُ سِوَى اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فَهَذَا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ فَمَعَانِيهِ مُتَّفِقَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَقَاوِيلَ مختلفة وتحقيق ذلك مرحلتان كل مرحة ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ عَلَى غَالِبِ الْعَادَةِ فِي سَيْرِ النَّقْلِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عباس وَإِسْحَاقُ

وَقَالَ أبو حنيفة، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " لا يجل لامرأةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ ثلاثة أيامٍ إلا مع ذي محرمٍ "

قال الماوردي: فَلَمَّا جَعَلَ الْمَحْرَمَ شَرْطًا فِي الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا فِيمَا دُونَهَا عُلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>