للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ إِذَا غَرِمُوا، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ مِنِ اعْتِرَافِهِمْ لَهُ بِالْحَقِّ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنِ الْمَقْبُوضِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ أَمْ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِغُرْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنَ الدَّيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِغُرْمِهِ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ بِغُرْمِ الدَّيْنِ، لَمْ يَخْلُ رُجُوعُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ.

فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا وَكَانُوا شَاهِدِينَ كَانَ عَلَى كُلِّ واحد منهما نصف الدين. ولو وَإِنْ كَانُوا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، كَانَ عَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدَّيْنِ، لِأَنَّه نِصْفُ الْبَيِّنَةِ، وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ رُبُعُ الدَّيْنِ لِأَنَّها رُبُعُ الْبَيِّنَةِ.

وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الدَّيْنِ، لِأَنَّه ثُلُثُ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ كَانُوا عَشْرَةً كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدَّيْنِ، لِأَنَّه عُشْرُ الْبَيِّنَةِ.

وَلَوْ كَانُوا رَجُلًا وَعَشْرُ نِسْوَةٍ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الدَّيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ النِّسْوَةِ نِصْفُ سُدُسِ الدَّيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدَّيْنِ، لِأَنَّه نِصْفُ الْبَيِّنَةِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ النِّسَاءِ نِصْفُ عُشْرٍ، لِأَنَّها نِصْفُ عُشْرِ الْبَيِّنَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ.

وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ، فَصَارَ النِّسَاءُ الْعَشْرُ كَخَمْسَةِ رِجَالٍ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِمْ رَجُلٌ صَارُوا مَعَهُ كَسِتَّةِ رِجَالٍ، يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سُدُسُ الدَّيْنِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَلْزَمَ الرَّجُلَ سُدُسَ الدَّيْنِ وَيَلْزَمَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ سُدُسُهُ، فَتَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِنِصْفِهِ.

وَإِنْ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ دُونَ جميعهم، فعلى ثلاثة أضرب:

أحدهما: أَنْ لَا يَزِيدُوا عَلَى عَدَدِ الْبَيِّنَةِ، وَيَكُونُوا رَجُلَيْنِ فَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدَّيْنِ، لِأَنَّه نِصْفُ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانُوا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَوْ رَجَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَعَلَيْهَا رُبُعُ الدَّيْنِ، لِأَنَّها رُبُعُ الْبَيِّنَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>