للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا، إِنَّهَا بَيِّنَةٌ تُسْمَعُ مَعَ ضَعْفِ الْجَنَبَةِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنَّ تُسْمَعْ مَعَ قُوَّةِ الْجَنَبَةِ كَسَمَاعِهَا مِنِ الْمُدَّعِي، إِذَا كَانَتْ لَهُ يَدٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَلِأَنَّهمَا إِذَا تَنَازَعَا مِلْكًا، لَا يَدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، سُمِعَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ، لِأَنَّها إِنْ لَمْ تُفِدْهُ قُوَّةً لَمْ تُفِدْهُ ضَعْفًا،.

وَتَحْرِيرُهُ إِنَّ تَسَاوِيهُمَا فِي ادِّعَاءِ الْمِلْكِ، يُوجِبُ تَسَاوِيهِمَا فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ، أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ عَلَيْهِ.

وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ قَدْ رَفَعَتْ يَدَ الدَّاخِلِ، فَصَارَ كَالْخَارِجِ فَوَجَبَ أَنْ تُسْمَعَ بَيِّنَتُهُ كَسَمَاعِهَا مِنَ الْخَارِجِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا إِنَّ كُلَّ مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ إِذَا عَدِمَ الْبَيِّنَةَ، وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ إِذَا وَجَدَ الْبَيِّنَةَ كَالْخَارِجِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ فِعْلٌ زَائِدٌ فِي الْقُوَّةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ.

كَمَا لَوْ شَهِدَ لِأَحَدِهِمَا شَاهِدَانِ، وَشَهِدَ لِلْآخَرِ عَشَرَةٌ.

وَلِأَنَّ كُلَّ حُجَّةٍ صَحَّ دَفْعُهَا بِالْقَدْحِ فِيهَا، صَحَّ دَفْعُهَا بِالْمُعَارَضَةِ لَهَا كَالْخَبْرَيْنِ وَعُمْدَةُ الْقِيَاسِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّهُ لَمَّا سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنَ النِّتَاجِ، وَثَوْبِ الْقُطْنِ، سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ فِي مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَثَوْبِ الْخَزِّ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ كُلَّ مَنْ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنَ الْأَعْيَانِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ فِيمَا يَتَكَرَّرُ مِنْهَا كَالْخَارِجِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ كُلَّ يَمِينٍ صَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا مِنَ الْخَارِجِ، صَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا مِنَ الدَّاخِلِ، كَالنِّتَاجِ، وَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَا تَتَكَرَّرُ فَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى هَذَا بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ مُتَقَدِّمُوهُمْ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ، فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ فَعَارَضُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي النِّتَاجِ وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ سَبَبُهُ، تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ يَدُهُ، لِأَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ دُونَ السَّبَبِ وَالْبَيِّنَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَالسَّبَبِ فَلِذَلِكَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ مَعَ يَدِهِ وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، لَا تُفِيدُ إِلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ مَعَ يَدِهِ، وَعَنْهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا إِنَّ عَكْسَ هَذَا بِأَنَّ مَا كَانَ التَّعَارُضُ فِيهِ مُمْكِنًا، أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِمَّا كَانَ التَّعَارُضُ فِيهِ كَذِبًا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُمَا مُتَكَاذِبَتَانِ فِي الْمِلْكِ، وَإِنْ أَمْكَنَ صِدْقُهَا فِي السَّبَبِ الْمُتَكَرِّرِ فَلَئِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ مُوجِبًا لِتَغْلِيظِ الصِّدْقِ بِالْيَدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ التَّكَاذُبُ فِي الْمِلْكِ مُوجِبًا لِتَغْلِيبِ الصِّدْقِ بِالْيَدِ، فَلَمْ يَنْقُلُوا فِي كُلِّ الْفَرْقَيْنِ مِنْ فساد موضوعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>