للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْوِيلٌ قَبِيحٌ يَدْفَعُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَيُبْطِلُهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ فَمَا بَالُنَا نَقْصُرُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " فَقَدْ فَهِمَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْآيَةِ مَعَ ظُهُورِهِ عَلَى أَنَّ قَصْرَ الْهَيْئَاتِ لَا تَخْتَصُّ بِالْخَوْفِ أَوِ السَّفَرِ الْمَشْرُوطِ فِي الْآيَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَصْرُ الْأَعْدَادِ، وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَفَرِهِ يُتِمُّ وَيَقْصُرُ وَيَصُومُ وَيُفْطِرُ

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ مَاذَا صَنَعْتِ فِي سَفَرِكِ قُلْتُ أَتْمَمْتُ مَا قَصَرْتُ وَصُمْتُ مَا أَفْطَرْتُ فَقَالَ أَحْسَنْتِ

فَدَلَّ ذَلِكَ من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ رُخْصَةٌ

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمِنَّا الْمُتِمُّ وَمِنَّا الْمُقْصِرُ. وَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. فَلَمْ يَعِبِ الْمُتِمُّ عَلَى الْمُقْصِرُ وَلَا الْمُقْصِرُ عَلَى الْمُتِمِّ وَلَا الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِغَرَضِ الْإِقَامَةِ فِيمَا يَصِحُّ فِعْلُهُ مُنْفَرِدًا فَوَجَبَ أَنْ يجز بِهِ

أَصْلُهُ: التَّمَامُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُقِيمِ

ولأنه عذر بغير فَرْضَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِغَرَضِ الرَّفَاهِيَةِ كَالْمَرَضِ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَصَحَّ أَنْ تُؤَدَّى فِي السَّفَرِ فَرْضَ الْحَضَرِ

أَصْلُهُ: الصَّلَوَاتُ الَّتِي لَا تُقْصَرُ وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ. وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ صَلَّاهَا فِي سَفَرٍ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ فَرْضِهِ، وَلِأَنَّ الْأَعْذَارَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الصَّلَاةِ تَخْفِيفًا إِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهَا رُخْصَةً لَا وُجُوبًا كَالْمَرَضِ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ إِذَا اقْتَضَى رِفْقًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لَا عَزِيمَةً كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ مِنْهُ الْقَصْرُ صَحَّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ كَالْمُسَافِرِ إِذَا صَلَّى خَلْفَ مُقِيمٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ رَكَعَاتٍ اسْتَوْفَاهَا فِي فَرْضِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَجَبَ إِذَا انْفَرَدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الرَّكَعَاتُ فَرْضَهُ كَالْمُقِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>