للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ قَدِ انْفَسَخَ بِهِ الْعَقْدُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ سُمِعَتْ، لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا أَقْوَى مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْهُمَا، وَتَصَادُقُهُمَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ إِذَا قِيلَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَمَعْمُولٌ بِهِ إِذَا قِيلَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ، دُونَ الْبَاطِنِ، كَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ: فَإِذَا سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يخل أن تكون لأحدهما أولهما:

فَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا سُمِعَتْ، وَحُكِمَ بِهَا لِمُقِيمِهَا سَوَاءٌ شَهِدَتْ لِلْمُكْرِي، أَوْ لِلْمُكْتَرِي.

فَإِنْ أَقَامَ كل واحد منهما بينته، شَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَى لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَسْبَقُ تَارِيخًا مِنَ الْأُخْرَى فَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِأَنَّهُمَا تَعَاقَدَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى أَنَّهُمَا تَعَاقَدَا مَعَ زَوَالِهَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْعَقْدُ هُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الثَّانِي بَعْدَ صِحَّةِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَتَانِ بِالْعَقْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: إِسْقَاطُ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِتُكَاذُبِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ، فَسَقَطَتْ بِالتَّكَاذُبِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْبَيِّنَةَ مَا بَانَ بِهَا الْحُكْمُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا بَيَانٌ رُدَّتْ، لِأَنَّ لَا بَيَانَ فِيهَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَيُحْكَمُ بِمَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا. وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شَيْءٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُهُودًا فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمَا وَقَالَ " اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَهُمَا ".

وَالثَّانِي: إِنَّ اشْتِبَاهَ الْحُقُوقِ الْمُتَسَاوِيَةِ، يُوجِبُ تَمْيِيزَهَا بِالْقُرْعَةِ، كَدُخُولِهَا فِي الْقِسْمَةِ فِي السَّفَرِ بِإِحْدَى نِسَائِهِ، وَفِي عِتْقِ عَبِيدِهِ، إِذَا اسْتَوْعَبُوا التَّرِكَةَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَّسَمَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>