للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا عَلَى مَا سَنَصِفُ فَتَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ إِذَا شَهِدَتْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَبِكَمَالِهَا يُوجِبُ انْتِزَاعَ الدَّارِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَيُدْفَعُ إِلَى الْحَاضِرِ حَقُّهُ مِنْهُمَا وهو النصف حِصَّةُ الْغَائِبِ، وَهِيَ النِّصْفُ عَلَى قُدُومِهِ، وَاعْتِرَافِهِ وَتُؤَخَّرُ حِصَّتُهُ حِفْظًا لِمَنَافِعِهَا عَلَيْهِ، وَلَا تُقَرُّ حِصَّةُ الْغَائِبِ فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقَرُّ حِصَّتُهُ فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَلَا تُنْتَزَعُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بِمِلْكٍ إِلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى. وَالدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ، أَوْ وَكِيلٍ فِيهِ، وَلَمْ يَدَّعِ حِصَّةَ الْغَائِبِ مَالِكٌ وَلَا وَكِيلٌ فَلَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ لَهُ، وَلَيْسَ كَوْنُ الْحَاضِرِ شَرِيكًا لَهُ فِي الْمِيرَاثِ بِمُوجِبٍ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا، كَالشَّرِيكَيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، إِذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِدَارٍ فِي شَرِكَتِهَا انْتَزَعَ بِهَا حَقَّ الْحَاضِرِ، وَأَقَرَّ حَقَّ الْغَائِبِ فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي شَرِكَةِ الْمِيرَاثِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى هِيَ لِلْمَيِّتِ، سُمِعَتْ من وراثه، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دِينٌ قَضَى مِنْهَا فوجب انتزاعهما فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، وَإِعْطَاءُ الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ مِنْهَا، وَوَقْفُ الْبَاقِي عَلَى الْغَائِبِ، وَخَالَفَ الشَّرِيكَيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الشَّرِيكَ مَالِكٌ بِنَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ، فَكَانَتِ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ، وَالِابْنُ مُدَّعٍ لَهَا عَنْ أَبِيهِ الَّذِي لَا تَصِحُّ مِنْهُ الدَّعْوَى، إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِهَا جَمِيعَ حَقِّهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ، مُرْتَبِطٌ بِحَقِّ الْآخَرِ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ، دُونَ صَاحِبِهِ، لِذَلِكَ كَانَ مَا تَلَفَ مِنَ الشَّرِكَةِ تَالِفًا مِنْهَا، وَمَا بَقِيَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا، وَحَقُّ الشَّرِيكَيْنِ كَالْمُتَمَيِّزِ مَعَ الْخُلْطَةِ، يَجُوزُ أَنْ يَتْلَفَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَسَلَمُ لِلْآخَرِ، فَافْتَرَقَ بِهَذَيْنِ حُكْمُ الْأَخَوَيْنِ، وَحُكْمُ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدِمَ الْآخَرُ الْغَائِبُ ذَكَرَ لَهُ الْحَاكِمُ، مَا حَكَمَ لَهُ بِمِيرَاثِهِ مِنْ نِصْفِ الدَّارِ، فَإِنِ ادَّعَاهَا سَلَّمَ إِلَيْهِ نِصْفَهَا وَإِنْ أَنْكَرَهَا وَقَالَ: لَا حَقَّ لِي فِيهَا، رَدَّ النِّصْفَ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ إِنْكَارُهُ فِي حَقِّ أَخِيهِ، لِأَنَّه قَدْ مَلَكَ بَيِّنَةً عَادِلَةً.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا إِذَا مَا ادَّعَاهُ الِابْنُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ سُلِّمَ إِلَيْهِ حَقُّهُ مِنْهُ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَفِي قَبْضِ حِصَّةِ الْغَائِبِ مِنَ الْغَرِيمِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُقْبَضُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ كَمَا تُقْبَضُ الْأَعْيَانُ مِنَ الدَّارِ، وَمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثياب وحيوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>