للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيِّ، إِنَّ الشَّهَادَةَ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ أَرْجَحُ، وَالْحَكَمُ بِهَا أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا قَدْ تَعَارَضَتَا فِي أَقَلِّ الْمُدَّتَيْنِ، وَأَثْبَتَتِ الْمُتَقَدِّمَةُ مِلْكًا لَمْ يُعَارَضْ فِيهِ فَوَجَبَ وَقَفُ الْمُتَعَارِضِ، وَأَمْضَى مَا لَيْسَ فِيهِ تَعَارُضٌ.

وَالثَّانِي: إِنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ يَمْنَعُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُتَأَخِّرُ إِلَّا عَنْهُ، وَلَمْ تَتَضَمَّنْهُ الشَّهَادَةُ، فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا، فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، صَارَتَا مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: إِسْقَاطُهَا وَالرُّجُوعُ إِلَى صَاحِبِ الْيَدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا، وَالْحُكْمُ لِمَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: اسْتِعْمَالُهَا، وَقَسْمُ الشَّيْءِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الْقَوْلُ يَجِيءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِمَكَانِ الِاشْتِرَاكِ.

فَإِنْ قِيلَ بِتَرْجِيحِ الْبَيِّنَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى الْبَيِّنَةِ بِحَدِيثِهِ، وَجُعِلَ الْحُكْمِ فِيهَا أَوْلَى، ثَبَتَ لِصَاحِبِهَا الْمِلْكُ مِنَ الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَحُكِمَ لَهُ بِمَا حَدَثَ عَنِ الْمِلْكِ مِنْ نِتَاجٍ، وَنَمَاءٍ وَغَلَّةٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِلَى وَقْتِهِ، ثُمَّ يُبْنَى عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَا جَعَلَهُ الْمُزَنِيُّ أَصْلًا. وَهُوَ إِنْ تَنَازَعَا دَابَّةً، فَيُقِيمُ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ نِتْجُهَا فِي مِلْكِهِ وَيُقِيمُ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَلَا يَقُولُونَ نَتَجَهَا فِي مِلْكِهِ.

حَكَى الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، أَنَّهُ نَتَجُهَا فِي مِلْكِهِ، وَجَعَلَهُ شَاهِدًا عَلَى الْحُكْمِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ دُونَ حَدِيثِهِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النِّتَاجِ: هَلْ يَتَرَجَّحُ بِالْبَيِّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، أَوْ يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالشَّهَادَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ؟ وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ خَيْرَانَ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي التَّعَارُضِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَتَرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، وَبِالنِّتَاجِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْخَالِيَةِ مِنْهُمَا.

وَحَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّتَاجِ لَيْسَتْ مِنْ مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيِّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ، وَأَنَّ بَيِّنَةَ النِّتَاجِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنِ النِّتَاجُ مَسْطُورًا، فَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ سَمَاعًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ النِّتَاجِ وَقَدِيمِ الْمِلْكِ فِي الْقُوَّةِ، بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّتَاجِ عَلَى مِلْكِهِ تَنْفِي أَنْ يَتَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>