للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعَيْنِ، وَأَخَذَ الْبَائِعُ بِرَدِّ الثَّمَنَيْنِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْبَيْعِ شَهَادَةٌ لِلْبَائِعِ، بِمِلْكِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا إِذَا شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِ مَا بَاعَ، فَإِنْ عَارَضَهُمَا صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَتِهِ، كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، لِأَنَّها بَيِّنَةُ دَاخِلٍ قَدْ تَلَتْهَا بَيِّنَةُ خَارِجٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِصَاحِبِ الْيَدِ بَيِّنَةٌ رُفِعَتْ يَدُهُ، وَثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ فِي إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ حُكِمَ بِالْبَيْعِ، دُونَ الْمِلْكِ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ وَبَطَلَ حُكْمُ التَّعَارُضُ فِيهِمَا.

وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ وَالْبَيْعِ، ثَبَتَ حُكْمُ التَّعَارُضِ فِيهِمَا، وَكَانَ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ أَطَلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاسْتِيفَائِهَا، لِأَنَّها مِنَ الْأُصُولِ فِي الدَّعَاوَى.

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الثَوْبَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ مَلَكَهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمَّى وَنَقَدَهُ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ لِفَضْلِ كَيْنُونَتِهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا بَائِعَانِ، وَمُشْتَرِيَانِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَتَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي ثَوْبٍ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَهُوَ مَالِكُهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ وَنَقَدَهُ إِيَّاهُ، وَيُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ، وَالْبَيْعِ، وَيَدَّعِي الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو، وَهُوَ مَالِكُهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ وَنَقَدَهُ إِيَّاهُ، وَيُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ وَالْبَيْعِ فَلَا يَخْلُو الثَّوْبُ مِنْ خَمْسَةِ أَحْوَالٍ:

أحدها: أن يكون في يد أحد المتبايعين.

والثاني: أن يكون في أيديهما.

والثالث: أن يكون في يد أحد المشتريين.

والرابع: أن يكون في أيديهما.

والخامس: أن يكون في يد أجنبي.

فأما الحالة الْأَوْلَى: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ فِي يَدِ أحد المتبايعين فَبَيِّنَتُهُ أَرْجَحُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّها بَيِّنَةُ دَاخِلٍ تَنْدَفِعُ بِهَا بَيِّنَةُ خَارِجٍ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، وَيُؤْخَذُ بِتَسْلِيمِ الثَّوْبِ إِلَى مُشْتَرِيهِ مِنْهُ. وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْآخَرِ، وَيُؤْخَذُ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِيهِ مِنْهُ، وَلَا يَمِينَ لِلْبَائِعِ الْآخَرِ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَنْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ لَهُمَا بِالْبَيِّنَةِ، تَرْجِيحًا بِالْيَدِ وَلَا يمين مع البينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>