للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحُكْمُ فِي تَعَارُضِهِمَا، سَوَاءٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا بَيَانٌ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَى هَذَا التَّعَارُضِ. فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ سَيِّدِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ سَيِّدِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ تَقْدِيمُهُ لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُرَجِّحًا. أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، تَتَرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ. بِتَصْدِيقِهِ، لِأَنَّهُ ذُو يَدٍ مَالِكَةٍ. فَعَلَى هَذَا إن صدق بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى ابْتِيَاعِهِ، حُكِمَ بِهِ مَبِيعًا، وَسَقَطَتْ بَيِّنَةُ عِتْقِهِ، وَلَا يَمِينَ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْعِتْقِ بَعْدَ بَيْعِهِ، لَمْ يُغَرَّمْ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْلِفَ وَإِنْ صَدَّقَ بَيِّنَةَ الْعَبْدِ عَلَى عِتْقِهِ، حُكِمَ بِعِتْقِهِ، وَسَقَطَتْ بَيِّنَةُ بَيْعِهِ، وَهَلْ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ بِبَيِّنَتِهِ بَعْدَ رَدِّهَا فِي بَيْعِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ رَدَّهَا فِي الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ رَدَّهَا فِي الْكُلِّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمِينَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي إِنْكَارِهِ لِبَيْعِهِ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا رَدُّ الثَّمَنِ، وَقَدْ رُدَّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يرجح بِثَمَنِهِ بِالْبَيِّنَةِ إِذَا قِيلَ: إِنْ رَدَّ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَعْضِ، مُوجِبٌ لِرَدِّهَا فِي الْكُلِّ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي إِحْلَافُ الْبَائِعِ عَلَى إِنْكَارِهِ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَرَفَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، لَزِمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ لَأَنَّ الْيَمِينَ تَسْتَحِقُّ فِي الْإِنْكَارِ إِذَا وَجَبَ الْعِوَضُ بِالْإِقْرَارِ وَيَسْقُطُ فِي الْإِنْكَارِ إِنْ سَقَطَ الْغُرْمُ بِالْإِقْرَارِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَتَرَجَّحُ وَاحِدَةٌ مِنَ الْبَيِّنَتَيْنِ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَشْهَدُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَرَفْعِ يَدِهِ.

فَعَلَى هَذَا يَتَحَقَّقُ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَا تَعَارُضَ فِيهَا، وَيُحْكَمُ بِبَيِّنَةِ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَصَارَتْ يَمِينُهُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةُ خَارِجٍ؛ فَقَضَى بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ.

وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ لَهُ أَلَا تَرَاهُ لَوِ ادَّعَاهُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، قُبِلَ قوله عليه، أو لا تَرَى لَوْ تَنَازَعَ ابْتِيَاعَهُ رَجُلَانِ، فَصَدَّقَ أَحَدَهُمَا لَمْ يُؤَثِّرْ تَصْدِيقُهُ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ لَكَانَ تَصْدِيقُهُ مُؤَثِّرًا. وَأَمَّا الْحُرُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. هَلْ تَكُونُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَدٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَكُونُ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ يَدٌ لِغَيْرِهِ.

أَوَ لَا تَرَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى لَقِيطًا عَبْدًا، فَاعْتَرَفَ لَهُ بِالرِّقِّ، كَانَ عَبْدًا لَهُ. وَلَوْ أَنْكَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>