للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٠

- وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَأَقَامَ زَيْدٌ الْبَيِّنَةَ وَالدَّارَ فِي يَدِهِ، بِأَنَّهُ مَالِكُهَا، وَأَقَامَ عَمْرٌو البينة أنه ابتاعها من زيد، حم بِهَا لِعَمْرٍو، لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَدْ أَثْبَتَتْ لِزَيْدٍ مِلْكًا، زَالَ عَنْهُ إِلَى عَمْرٍو، بِابْتِيَاعِهَا، فَكَانَتْ أَزِيدُ بَيَانًا، وَأَثْبَتُ حُكْمًا، فَلَوْ أَقَامَ زَيْدٌ الْبَيِّنَةَ وَالدَّارُ فِي يَدِهِ، أَنَّهُ مَالِكُهَا، وَأَقَامَ عَمْرٌو الْبَيِّنَةَ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ لَهُ عَلَى زَيْدٍ بِمِلْكِهَا كُشِفَ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِمِلْكِهَا لِعَمْرٍو، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ حُكِمَ بِهَا لَهُ، لِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَيِّنَةٌ نَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَجَبَ أَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَا لِعَمْرٍو، لِأَنَّ زَيْدًا قَدْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً مَعَ يَدِهِ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ لِعَدَالَةِ بَيِّنَةِ عَمْرٍو وَجَرْحِ بَيِّنَةِ زَيْدٍ نظر، فإنفإن أعاد زيد تالك الْبَيِّنَةَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَدَالَتُهَا حُكِمَ بِهَا لِعَمْرٍو دُونَ زَيْدٍ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِذَا رُدَّتْ بِالْجَرْحِ فِي شَهَادَةٍ لَمْ تُسْمَعْ مِنْهَا تِلْكَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ، وَكَانَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَا لِعَمْرٍو مَاضِيًا، وَإِنْ أَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً غَيْرَ تِلْكَ الْمَرْدُودَةِ، حُكِمَ بِالدَّارِ لِزَيْدٍ، وَنُقِضَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَا لِعَمْرٍو. وَإِنْ بَانَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِهَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ مَعَ بَيِّنَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَرَى أَنْ يُحْكَمَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، كَرَأْيِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

فَفِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهَا لِعَمْرٍو وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُنْقَضُ، لِنُفُوذِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يُنَقَضْ، وَتُقَرُّ الدَّارُ فِي يَدِ عَمْرٍو.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُنْقَضُّ حُكْمُ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَيُحْكَمُ بِهَا لِزَيْدٍ، لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ فَالْقِيَاسُ فِيهِ جَلِيٌّ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ قَوِيٌّ، فَنُقِضَ بِأَقْوَى الِاجْتَهَادَيْنِ أَضْعَفُهُمَا، وَإِنَّمَا لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ مَعَ التَّكَافُؤِ، وَاحْتِمَالُ التَّرْجِيحِ. وَإِنْ بَانَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِهَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ بِبَيِّنَتِهِ، وَلَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ زَيْدٍ، نُظِرَ فِي الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ يَرَى أَنْ لَا يُحْكَمَ بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ مَعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، فَفِي نَقْضِ حُكْمِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا.

وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ، فَلَمْ يَسْمَعْهَا، بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، نُقِضَ حُكْمُهُ لِعَمْرٍو وَحُكِمَ بِهَا لِزَيْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِنْ بَعْدَ الْكَشْفِ السَّبَبُ الَّذِي أَوْجَبَ الْحُكْمَ بِهَا لِعَمْرٍو، دُونَ زَيْدٍ مَعَ ثُبُوتِ يَدِ زَيْدٍ وَبَيِّنَتِهِ، فَفِي نُفُوذِ الْحُكْمِ بِهَا لِعَمْرٍو وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الحكم بها نافذ ممضى ولا ينقص إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ مَا يُوجِبُ نَقْضَهُ عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ فِي أَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِنَقْضِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ نُفُوذُهُ عَلَى الصحة، حتى بعلم فَسَادُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَا لِعَمْرٍو تَغْلِيبًا لِيَدِ زَيْدٍ، وَبَيِّنَتِهِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ نَفَذَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ لِاحْتِمَالِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا قول محمد بن الحسن وأن كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>